الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هكذا خلفت بريطانيا شهداء فلسطينيين في الثلاجات

2018-07-19 03:49:51 PM
هكذا خلفت بريطانيا شهداء فلسطينيين في الثلاجات
شهيد فلسطيني في ثلاجة للموتى (أرشيف apa: تعبيرية)

الحدث- محمد غفري

قد يعتقد البعض أن احتجاز جثامين 26 شهيداً فلسطينياً منذ أن عادت سلطات الاحتلال لهذه الممارسة يوم 13 أكتوبر 2015 يدور في أطر سياسية إسرائيلية خالصة، لكن الأمر لا يعدو كذلك.

إذ أن النقاش الذي جرى أمام سبعة قضاة في قاعة المحكمة الإسرائيلية العليا في القدس المحتلة، كان بمثابة معركة حول تركة بريطانية قديمة، ألا وهي البند الثالث من المادة 133 لقانون الطوارئ البريطاني للعام 1945.

تركز النقاش بين النيابة الإسرائيلية، وممثلي عائلات الشهداء، فيما إذا كان هذا البند يخوّل القائد العسكري الإسرائيلي باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين كأداة تفاوض على اتفاق تبادل أسرى محتمل، أو أنه لا يجيز ذلك.

وخلال الجلسة التي عقدت يوم الأول من أمس، ترافع النيابة عن عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم كل من مركز عدالة الحقوقي، ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين.

المطالبة بتفسير المادة

بحسب ما ورد "الحدث" من منسقة الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزين سلوى حماد، فقد شدّد ممثلو عائلات الشهداء على أنه ينبغي تفسير المادة بشكل ضيّق، وأن استخدامها كأساس قانوني لاحتجاز الجثامين يخالف مبدأ الشرعية.

كما أكد ممثلو العائلات أن ممارسة احتجاز الجثامين تتناقض بشكل صارخ مع القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، إذ أن احتجاز الجثامين يمس بكرامة الميت وأسرته، والحق في الخصوصية والحرية الدينية والحق في الحياة العائلية، وقد تعتبر ضرباً من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة.

وذكّر المحامون بأن توظيف جسد الإنسان، سواء كان حياً أو ميتاً، كورقة ضغط يقوّض منظومة حقوق الإنسان بأسرها.

تفسير المادة على المقاس

أما نيابة الاحتلال بحسب ما أوردت حماد لـ"الحدث"، فقد ادّعت أنه على الرغم من أن المادة لا تذكر بصراحة موضوع استخدام الجثامين كورقة ضغط ضمن أهدافها، إلا أنه ينبغي تفسيرها بشكل يمكن الدولة من تحقيق هذا الهدف.

أدلة سرية لتبرير الاحتجاز

نيابة الاحتلال أنهت مرافعتها بمطالبة المحكمة بعقد جلسة بحضور طرف واحد كي تطلع القضاة على "أدلة سرية" تزعم الاعتماد عليها لإثبات أهمية احتجاز جثامين الشهداء في تقدم سير المفاوضات للإفراج عن جثماني الجنديين هدار جولدين وشاؤول آرون المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة.

ورداً على هذه المطالبة؛ أكدت حماد أن المحامين المترافعين عن العائلات الفلسطينية رفضوا عقد جلسة كهذه، إذ أن نقاش العلاقة بين احتجاز الجثامين وإمكانية الإفراج عن جثماني الجنديين الإسرائيليين من عدمها هو خارج صلب القضية الأساسية التي ناقشتها الجلسة.

ولذلك رفض ممثلو العائلات الفلسطينية حرف النقاش من سؤال الصلاحية وحدود تفسير المادة 133، إلى نقاش حول أدلة سرية تقدمها الدولة والمخابرات.

ما هو البند الثالث؟

مراسل "الحدث"، عاد إلى البند الثالث من المادة 133 لقانون الطوارئ البريطاني للعام 1945، والذي ينص على أنه: "بالرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر، يحق لحاكم اللواء أن يأمر بدفن جثة أي شخص نفذ فيه حكم الإعدام في السجن المركزي في عكا أو السجن المركزي في القدس في مقبرة الطائفة التي ينتمي إليها ذلك الشخص لما قد يوعز به".

إذا تستند سلطات الاحتلال في احتجازها لجثامين الشهداء الفلسطينيين على نص قانوني بريطاني لا يمت للقضية بأي صلة، ولكن قرار اتّخذه المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) في 1 كانون الثاني 2017، مكّن سلطات الاحتلال بالاستناد إلى هذا القانون من احتجاز جثمان أي شهيد تربطه علاقة تنظيمية مباشرة أو غير مباشرة مع حركة حماس، أو جثامين الشهداء الذين قاموا بتنفيذ عمليات صنّفت على أنها عمليات نوعية.

وكانت المحكمة العليا في 14 كانون الأول 2017 قد أقرت بأغلبية صوتين لصوت بعدم قانونية سياسة احتجاز الجثامين.

وخلصت المحكمة في قرارها في ذلك الوقت إلى أن البند الثالث من المادة 133 لقانون الطوارئ البريطاني للعام 1945، والذي يستند إليه الاحتلال كأساس قانوني لاحتجاز الجثامين، لا يخوّل القائد العسكري بشكل مباشر وصريح باحتجاز الجثامين لغرض استخدامها كورقة ضغط.

وأمهلت المحكمة الحكومة الإسرائيلية آنذاك ستة أشهر إما للإفراج عن الجثامين المحتجزة، أو لسنّ قانون يمنحها صلاحية واضحة ومباشرة باحتجاز الجثامين لغرض التفاوض.

غير أن حكومة الاحتلال اعترضت على ما آلت إليه تلك الجلسة وقدّمت طلباً لعقد جلسة إضافية أمام هيئة موسّعة من قضاة المحكمة العليا للنظر بالقضية مجدّداً بحجّة أن قرار المحكمة يمثّل سابقةً قانونية، وهو الأمر الذي وافقت عليه رئيسة المحكمة العليا لتعلن عن عقد جلسة إضافية أمام هيئة مكونة من سبعة قضاة في 17 تموز، أي يوم الأول من أمس الثلاثاء.

المحكمة العليا في جلستها الأخيرة يوم الثلاثاء الماضي لم تصدر أي قرار حتى الآن، ومن المتوقّع أن تصدر قرارها النهائي بخصوص قانونية احتجاز الجثامين خلال الأشهر المقبلة، أو قد تلجأ حكومة الاحتلال إلى قانون آخر يشرعن الاحتجاز إلى حين إنجاز صفقة تبادل مع حركة حماس.

ويحتجز الاحتلال حالياً جثامين 26 شهيداً من القدس والضفة وقطاع غزة، أقدمهم جثمان الشهيد عبد الحميد أبو سرور، المحتجز منذ 18 نيسان 2016، وآخرها جثمان الشهيد خالد عبد العال من قطاع غزة، المحتجز منذ 2 تموز 2018.