الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المشاريع الروسية إلى حدود القارة الأوروبية خيري حمدان

2014-12-09 06:47:35 AM
المشاريع الروسية إلى حدود القارة الأوروبية
خيري حمدان
صورة ارشيفية

 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنقرة وقف العمل بمشروع "دفق الجنوب" لنقل الغاز الطبيعي الروسي عبر بلغاريا وصربيا وهنغاريا إلى أوروبا وحتّى النمسا، محمّلا الحكومة البلغارية مسؤولية فشل إتمام بناء هذا المشروع بكلفة ضخمة تبلغ قرابة 40 مليار يورو، ويهدف للالتفاف على قناة أوكرانيا لنقل الغاز الروسيّ إلى أوروبا.

بعد ساعات من تصريحات بوتين أكّد ألكسي ميلر الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم العملاقة هذه التوجّهات معتبراً مشروع دفق الجنوب غير قابل للتنفيذ بسبب الضغوط التي فرضتها اللجنة الأوروبية على بلغاريا. لكنّ الوقائع تختلف إلى حدّ بعيد عن التصريحات الروسية ولا يمكن لدولة صغيرة كبلغاريا أن تلعب هذا الدور في تعطيل مشاريع الطاقة الدولية، وهذا ما صرّحت به بروكسل بعد ساعات من التصريحات الروسية.

وافقت بلغاريا والدول الأوروبية المعنية بتنفيذ مشروع خطّ نقل الغاز الروسي في أراضيها، على توكيل اللجنة الأوروبية لمتابعة الشؤون القانونية المرافقة لتنفيذ المشروع، وفقاً للتشريعات الأوروبية التي تحظر الاحتكار، وبدأت اللجنة الأوروبية بآلية عقاب إداري ضدّ بلغاريا لبدء حفريات الإنشاء والتنفيذ ما أدّى إلى إجبار بلغاريا على تجميد المشروع بتاريخ 18 أغسطس 2014، كما تلزم القوانين الأوروبية روسيا إفساح المجال لاستثمار 50% من كفاءة القناة لنقل غاز من طرف ثالث، وتسمية الشركات المعنية ببنائه توخياً للشفافية، وتبيّن أنّ الشركات المعنية روسية، وتبيّن كذلك أنّ الشركات الفائزة بالمشاريع المساعدة في هذه الدول مقرّبة أو تابعة لشركات الطاقة الروسية. وتحظر القوانين الأوروبية الطرف المستثمر للخطّ امتلاكه وفرض سيطرة مطلقة على مساره وبيع الغاز في المقاطع الأوروبية، لكنّ روسيا لم تتنازل عن دورها في استثمار وتمويل وتنفيذ وامتلاك الغاز والتحكّم بأسعاره في كافّة محطّات نقله عبر الدول الأوروبية مقابل رسوم ترانزيت للدول المعنية، وليس من المؤكّد كذلك قدرة روسيا على ملء الخطّ بإمدادات تبلغ قرابة 80% من قدراته العملية، والمشروع يطمح لضخّ قرابة 63 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي الروسي المتوجه إلى أوروبا. كما أنّ العقود الرسمية بشأن تحديد رسوم ترانزيت الغاز لم تبرم حتى اللحظة، وتمّ التوصّل إلى اتفاقيات بشأن كلفة بنائه فقط، وتقديم قروض طويلة الأمد "22 سنة في المقطع البلغاري" من قبل شركة غازبروم المحتكر الأكبر لهذا الخطّ الحيوي. وأكّد السيد توميسلاف دونتشيف وزير الصندوق الأوروبي البلغاري إلى أنّ الرسوم المتوقّع أن تجبيها بلغاريا سنوياً أقل بكثير من القيمة التي ذكرها الرئيس بوتين 400 مليون يورو.

لا يوجد بديل لمسار هذا الخطّ، وليس من المجدي اقتصادياً مروره عبر تركيا لارتفاع كلفته المالية لضعفين أو أكثر، ما يعتبر مجازفة اقتصادية غير مسؤولة في الوقت الذي تشهد فيه أسواق النفط عالمياً انخفاضاً كبيراً في الأسعار، عدا عن تراجع معدّلات صرف العملة الروسية في الآونة الأخيرة نتيجة للحصار الاقتصادي المعلن ضدّ روسيا، وبسبب الأزمة الأوكرانية وخسارة الشركات والبنوك الروسية للكثير من المقدّرات المالية في كييف وغيرها من المدن الأوكرانية.

من جهة أخرى تشير البيانات إلى أنّ خطّ "الدفق الأزرق" الناقل للغاز الروسي إلى تركيا يعمل بنسبة 50% فقط من كفاءته المتوقعة، فكيف يمكن لروسيا أن تبني خطّاً مماثلاً أو بديلاً بهذه الكلفة الباهظة. بعض المحلّلين يرون بأنّ تصريحات بوتين وميلر مراوغة ومحاولة لليّ ذراع بروكسل، وتهديد أوروبا بعدم تمويلها المنتظم للغاز الطبيعي، واستثارة تحفّظات بلغاريا وصربيا وهنغاريا، وحثّها للضغط على بروكسل للحصول على تعويضات مالية لفشل هذا المشروع. كما وصف بوتين جمهورية بلغاريا بأنّها غير مستقلة في قرارها وخاضعة لبروكسل، وقد يبدو ذلك صحيحاً نسبياً، لكن علينا أن لا ننسى بأنّ الاتحاد الأوروبي ذو قرار مركزي في العديد من الملفات والمشاريع الأوروبية الإقليمية، ولا يعني هذا بالطبع حرمان دول المنظومة من استقلالية القرار والسيادة السياسية، يشهد على ذلك اختلاف مواقف هذه الدول بشأن الأزمة في سوريا وإقليم الشرق الأوسط، وعدم التمكّن من اتخاذ موقف سياسي موحّد، عدا عن اختلاف مواقف الدول الأوروبية المرهونة باليمين أو اليسار الحاكم أو اليمين المتطرّف الذي تمكّن من التسلّق إلى الطوابق العليا للسلطة في العديد من هذه الدول.

الأسباب الحقيقية لفشل هذا المشروع تعود للأزمات التي تواجه شركة غازبروم، إثر انهيار العملة الوطنية وانخفاض عائداتها المالية بعد انخفاض أسعار موارد الطاقة "النفط والغاز" على المستوى العالمي، ولعدم وجود أيّة رغبة لدى روسيا للالتزام بالتشريعات الأوروبية، لذا فإنّ مشاريعها المستقبلية ستبقى رهن حدود أوروبا الخارجية ولن تتمكّن من عبورها سوى باحترام الإرادة الدولية، وتغيير طريقة التفكير والتخلّي عن ممارسة الاحتكار التقليدي، الأمر الذي أتقنته موسكو بمهارة منذ العهد السوفيتي الغابر.

إذا قرّرت روسيا مضاعفة قدرات خطّ "الدفق الأزرق" لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وتجميعه على الحدود التركية اليونانية تمهيداً لنقله إلى أوروبا، فإنّ هذه الخطوة ستؤدّي إلى خسائر مالية كبيرة لبلغاريا وصربيا وهنغاريا، وبقاء اعتمادها على خطّ أوكرانيا دون غيره للتزوّد بالغاز، وعلى هذه الدول البحث عن بدائل للطاقة وتسريع بناء همزة الوصل مع اليونان وتركيا، أو الحصول على الغاز القطري المضغوط. 

لذا، ليس مصادفة استقبال الرئيس بوتين كسلطان غير متوّج في أنقرة وتركّز المحادثات مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لرفع معدّلات التبادل التجاري ما بين البلدين برائحة الغاز حتّى العام 2020 إلى 100 مليار دولار.