لا تخلو السياسة الأمريكية من توجيه بعض النقد لممارسات إسرائيل وسياساتها بين حين وآخر، ولكن هذه الانتقادات تظل في إطار الصداقة الاستراتيجية بين الإدارات الأمريكية وحكومات إسرائيل المتعاقبة. وعندما يدين مسؤول أمريكي أو يوجه نقداً للسياسة الإسرائيلية غالبا ما يحاول أن يجد تبريراً للفعل الإسرائيلي أو الجريمة الإسرائيلية.
وهو ما قام به هذا الأسبوع السيد "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر الصداقة الأمريكي- الإسرائيلي "سابان"، فعندما انتقد حملة الكراهية وما يسمى تدفيع الثمن التي يقوم بها المستوطنون وجماعات متطرفة في إسرائيل والضفة ضد الشعب الفلسطيني من حرق للسيارات والمنازل والمساجد وحرق الفتى محمد أبو خضير وشنق سائق فلسطيني في الحافلة التي يقودها، وتقطيع أشجار الزيتون وحرقها، وساوى السيد بايدن بين الجانبين الفلسطيني- والإسرائيلي واتخذ من حادثة عرضية فلسطينية مقياسا للمماثلة مع سياسة منهجية إسرائيلية في اضطهاد الفلسطيني وترويعه ومصادرة أرضه واعتقاله وإطلاق النار عليه لمجرد أنه عربي.
وأسرفت حكومة إسرائيل في الآونة الأخيرة في سياسة العقاب الجماعي وعادت إلى سياستها القديمة بهدم منازل المواطنين الفلسطينيين تحت شتى الذرائع، وهو ما دفع السيد بايدن في المؤتمر المذكور إلى إدانة هذه السياسة ووصفها بالعقاب الجماعي، لكن الإدراة الأمريكية وقفت متفرجة بل ومشجعة للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في الصيف الماضي ودمرت خلاله إسرائيل آلاف المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات ومحطة الكهرباء وكل البنية التحتية في القطاع، ولا يزال الشعب الفلسطيني في القطاع يعيش بلا مأوى يقيه برد الشتاء وأمطاره التي أحالت القطاع إلى بحر من الماء يتنقل فيه الناس بقوارب الصيادين، في ظل جهود إعمار بطيئة تتحكم إسرائيل في كل كيس اسمنت تدخله إلى القطاع بدعوى الأمن والأنفاق، حيث الأمن بات ذريعة لمواصلة إسرائيل قتل الشعب الفلسطيني وهدم مقومات حياته واستمرار وجوده.
ومنذ عدوان حزيران 67 استغلت إسرائيل عبارة "الحدود الآمنة" الواردة في القرار الأممي 242 وحتى اليوم في مواصلة سياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية ودول المنطقة، وترى إسرائيل أن حدودها الآمنة تقف عند النقطة التي تستطيع دباباتها وطائراتها وبوارجها الوصول إليها رغم أن مفهوم الأمن القديم قد تغير وتبدل بفعل التطور التكنولوجي لها، ولم تعد سلاسل الجبال والأنهار والخطوط الدفاعية ذات قيمة في حماية الأمن والحدود وهذا يسقط الذرائع الإسرائيلية، في الاحتفاظ بوجود عسكري لها في غور الأردن وسلسلة الجبال المشرفة عليه ويفضح أطماعها التوسعية وديمومة احتلالها لأرض الدول الفلسطينية العتيدة.
وتعتبر مثلاً امتلاك إيران لتكنولوجيا علمية نووية خطراً على أمنها رغم الرقابة الدولية والمفاوضات الأمريكية مع إيران التي لا تبقى نقطة أو فاصلة في البرنامج النووي الإيراني دون أن تتعرض لها حماية لأمن إسرائيل، ونجد السيد بايدن يقول في مؤتمر "سابان" بأن الولايات المتحدة لن تسمح "أبداً" لإيران بامتلاك قدرات نووية ومع ذلك لا تتردد إسرائيل في تكرار التهديد بضرب قدرات إيران النووية منفردة أو بمساعدة الولايات المتحدة، ويدخل في هذا الإطار ضرب إسرائيل المتكرر لمواقع في سوريا تحت شتى الذرائع، ولكنها تتوخى الحذر في تعاملها مع حزب الله في جنوب لبنان منذ صيف العام 2006.
وعندما تحدث السيد بايدن عن حل الدولتين واستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فإنه يُبقي الباب مفتوحاً أمام إسرائيل لضم ما تشاء من أرض الدولة الفلسطينية المفترضة وفق صيغة "تبادل الأراضي" فالحوض المقدس الذي لا تتجاوز مساحته الكيلو متر المربع، ويضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحارات القدس الأربع داخل السور يمكن لإسرائيل الاحتفاظ بضمها إليها مقابل كيلو متر مربع في النقب رغم أن أرض النقب عزيزة علينا أيضاً، واليوم تتجه إسرائيل إلى مزيد من التطرف، ويقف نتنياهو حائراً بين حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات تشريعية مبكرة لا يضمن نتائجها وتحالفاتها وبين البحث عن حكومة ائتلاف جديدة مع اليمين الديني المتطرف كبديل للمشاكسين لسياسته لبيد وليفني.
وفي كلا الحالتين لن يكون مكان في المدى المنظور لاستئناف عملية التفاوض التي جدد الدعوة إليها نائب الرئيس الأمريكي للوصول إلى تسوية تقوم على حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
وعليه يجب على الشعب الفلسطيني وقيادته الاستعداد لمواجهة أسوأ الاحتمالات ومواصلة السعي لتعزيز الصمود على أرضنا ووحدتنا الوطنية، والسعي في الأمم المتحدة ووفق القانون الدولي لانتزاع قرار بانهاء الإحتلال في فترة زمنية محدودة للانسحاب الإسرائيلي من الأرض الفلسطينية المحتلة والاعتراف بدولة فلسطين ذات سيادة على أرضها وشعبها وأجوائها، سواء ذهب نتنياهو للانتخابات المبكرة أو تمكن من تشكيل حكومة ائتلاف جديدة مع اليمين الديني المتطرف، فليس في إسرائيل من هو أكثر تطرفاً من نتنياهو، والمهم عنده أن يحتفظ برئاسة الحكومة والاستمرار في سياسته المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني ورفضه للتسوية والسلام.