الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هيثم ليس ملاكاً، وفلسطينيو الداخل ليسوا شياطين

بقلم: أحمد زكارنة

2014-12-09 07:00:10 AM
هيثم ليس ملاكاً، وفلسطينيو الداخل ليسوا شياطين
صورة ارشيفية

إن حرف النون في وسط كلمة "أنا" وكما ينبهنا آخر، هو بداية ونهاية الـ "نحن" تلك التي بحاجة ماسة لنقف أمامها كثيراً وجداً.. نقف أمامها طويلاً لأن الهزيمة تأتي من أنفسنا ضد أنفسنا أولا، ولأن التاريخ ليس مرهوناً بإرادة الفرد "الأنا" وإنما بإرادة الجمع في الـ"نحن".

من هنا تبدو المسافة الفاصلة بيننا وبين أنفسنا واضحة وهي تنأى عن الفعل الجمعي، لصالح الانكفاء على الذاتي، فقط لتسجل حضورها على ضريح الوطن، وكأننا في صراع مميت بين نقيضين وثابت واحد هو هذه البلاد.

الآن وكي نُلغي كل علامات الترقيم، لنتمكن من إلغاء كل علامات العطف والوصل والجر، باتجاه الدخول في صلب الوجع، تعالوا نحاول تفكيك جديلة حكاية فلسطيني الداخل، الموصوم بالرقم 48 ليس حباً، وإنما عزفاً على منوال الهوية بحبلها المشدود على حد السؤال، الذي ولّد أسئلة لم تجد لها سبيلاً للاجوبة، وإنما للمزيد من النعوت.

سؤال أول: إن المشبه بالفعل في القدس، لم يحاكي يوماً إلا الصمت المثقل بكل نعوت الهزيمة.. هل كان فاعلاً؟ أعلم أنه سؤال يُدخلنا في سياق التعقيد لا الحل، ولكنه سؤال مُهم لنعي من نحنْ؟ ومن هم؟ ما أوصاف فعلنا، وماهية فعلهم؟ والمقصود هنا سلالة العرب. سؤال ثانٍ، وثالث، ورابع قد يُطرح، لتبقى دوامة الأسئلة دون إجابات شافية. عليه وكي نحرك الظلال بكل عفويتها أو بتدبير مبرمج، نُعوض حضور ما تبقى من أوجاع السؤال، بإبرام اتفاق من الأهمية أن نقف أمامه بتمعن، وهو الاتفاق على وجود فارق شاسع ما بين الخطأ والخطيئة، والذي يؤكد في بنوده على كون الخطأ أمراً مقبولاً باعتباره صفة إنسانية نمر بها جميعاً، بينما الخطيئة أمر لا يحتمل التأويل ونحن ننتبه بكل وضوح لحالة الإصرار على التكرار.

من هنا وعَوداً على بدء، كنا قد مارسنا حقاً شرعياً وواضحاً في نقد حالة فردية لا تنسحب بأي شكل من الأشكال على الحالة الجمعية لأهلنا في الداخل الفلسطيني، وشمل فيما شمل هذا النقد، الصوت الفلسطيني الصاعد "هيثم خلايلة" حينما سقط في خطأ لا مبرر له، ولكنه حدث، والأهم أنه لم يتكرر، كما أن هيثم لم يصرّ لا على محاولة التبرير غير المقنع، ولا على محاولة التكذيب، ولا على مهاجمة من مارس فعل النقد، ما يدلل على فهمه أو استيعابه لخطورة الأمر، ويدفعنا بالمقابل لِما يشبه الجزم بأنه حتى وإن لم يظفر باللقب، لن يعود لذات الخطأ.

ولذا نقول بعيداً عن كل خيالات السبي وانتصارات الفحولة: إن هيثم ليس ملاكاً، وفي المقابل علينا أن نعي أن فلسطينيي الداخل ليسوا شياطين، فقسوة ما مروا به قاد، وما زال إلى شتات قسري، المتهم الرئيسي فيه، هو نحن قبل العربي، والعربي قبل الأعجمي.

نعم هيثم ليس ملاكاً، وفلسطينيو الداخل ليسوا شياطين، لأننا جميعاً مارسنا كل أشكال الهزل والتطبيل والتصفيق لشعارات لم ندعمها يوماً، تماماً كما هو فعل العربي منذ احتلت الأرض قبل ما يقرب من السبعين عاماً، وتماماً كما يحاول للبعض اليوم أن يضعهم، زوراً وبهتاناً، في مصاف التأليه، وكأن القلم يجب أن يرفع عنهم مهما فعلوا، أو يرفع عنا مهما فعلنا بذات المنطق.

هو ليس ملاكاً، وهم ليسوا شياطين، وإنما نحن منْ أقصى كل الملائكة والشياطين معاً، حينما مارسنا عليهم فعل الإقصاء بأدوات وأساليب مختلفة.

هو ليس ملاكاً، وهم ليسوا شياطين، وكلاهما من دفع فاتورة التقاعس العربي بكل مكوناته المجتمعية بمن فيهم نحن "فلسطينيو الضفة والقطاع"، فبتنا جميعاً نلعب دور الضحية والجلاد معاً، وكأن جرح السكين أقل ضرراً أو وجعاً من ثقب الرصاصة.

هو ليس ملاكاً، وهم ليسوا شياطين، وكلاهما كان نداً ما استطاع، فيما كنا نسمع، ونستمتع، نصفق، ونصرخ، لكنهم أبوا إلا أن يبرهنوا على تمسكهم بهويتهم وأرضهم، ما أشاح وما زال كل الأقنعة عن وجوهنا.. عن صمتنا.. عن قبحنا.. عن ذلنا، ليصرخوا عالياً أن مصيرَ الأمة وفكرها وفعلها قد افتضح.. لأنها أهملت فلسطين وأهل فلسطين، كما نسيت العراق وأهل العراق، ولم تشبع حنين لبنان، وتركت سوريا ما بين بين.. فقط عقدت مؤتمراتها واجتماعاتها لتعلنها في وجه العالم صرخة مدوية: إن في فض غشاء البكارة تكمن كل الفضائح.

ختاماً، وبعيداً عن المطالبة بدعم هيثم من عدمه، علينا أن نسأل أنفسنا، ماذا قدمنا له قبلاً باعتباره يمثل أهلنا في الداخل كما يمثلنا تماماً، والسؤال الأهم ماذا يمكن أن نقدم له اليوم؟ والسؤال يجر سؤالاً، هل الأصح القول: إن هيثم ليس ملاكاً، وأن فلسطينيي الداخل ليسوا شياطين، أم أن نقول: إنه ليس ملاكاً، وجميعنا نلعب دور الشيطان؟ باختصار دعم هيثم يجب أن ننظر إليه باعتباره فرض عين.