الحدث ــ محمد بدر
طلب "أفيف ليفي" من الكولونيل "دور" الخروج للميدان رغم إجازته، وخرج يواجه ببندقيته الأمريكية الصنع صدور الغزيين على السلك الفاصل. كان الطلب الأخير لـ"أبيب"؛ الخروج، والجواب الأخير من قبل قناص فلسطيني كمن له ببندقية تقول "إسرائيل" أنها "إيرانية"؛ الرصاصة.
منذ انطلاق مسيرة العودة، قبل ثلاثة أشهر، ونحن لا نرى من الطرف الآخر سوى صور الجنود، بينما تكدست في الطرف الغربي للحدود؛ صور الشهداء الأطفال والمصابين، ومسعفة لم تسعف نفسها وقتلها رصاص القناص، وصحفية تبث على الهواء خبر استشهاد شقيقها، وطبيب يعالج ابنه ويستشهد الابن بين يدي والده الطبيب. وما تسرب من طرف الجنود من صورِ حياة؛ كانت ابتسامات القناصة خلال قتلهم للغزيين بدون أي شعور بالرحمة.
بعد عملية قنص الجندي الإسرائيلي "أبيب ليفي"؛ شنت "إسرائيل" هجمات على العزل، واستشهد 4 فلسطينيين خلال هذه الهجمات، وما لفت الانتباه بعد ذلك؛ هو الاهتمام الكبير بمقتل الجندي الإسرائيلي على حساب الشهداء الأربعة، وكأننا وقعنا في فخ تقديس الدم الإسرائيلي على حساب الدم الفلسطيني، ولو بحثنا في سجل هذا الجندي لوجدنا عددا من الشهداء قد قضوا برصاصه لكل واحد منهم سجل إنساني كبير، إن هذا الاهتمام ولو من باب الاستعراض خطأ يجب أن نتجاوزه.
ما قام به القناص الفلسطيني سواء اتخذ قرار القنص بشكل منفرد أو بقرار منظم؛ هو أنه أعطى رفاق "أبيب" فرصة لكي لا يطلبوا الخدمة في أوقات إجازاتهم، عليهم أن يفكروا جيدا قبل الخروج للحدود؛ وهذه إضافة جديدة للمعادلة، فعوضا على أن رصاصة هذا القناص ارتقت بمستوى المواجهة لمعادلة الاستهداف المباشر بالاستهداف المباشر، فإنها كذلك أحدثت تفوقا في المعادلة بزرع الخوف في صفوف القناصة الإسرائيليين على الحدود، وهذا الشعور بالخوف لا يشعر به المتظاهرون الذين يخرجون للمواجهة على السلك الفاصل بقرارهم متوقعين أن يستشهدوا أو يصابوا أو يعتقلوا.
وما ذهبت إليه القيادة الإسرائيلية بأن حماس لا تقف وراء عملية القنص، لا يعدو كونه عملية تبرير على موافقة هذه القيادة على تهدئة مع المقاومة بعد مقتل أحد جنودها، وكذلك محاولة من قبل القيادة الإسرائيلية ومعها الإعلام العبري لإظهار هذا القناص كخارج عن المجموع وكمغامر بدماء الجماهير وقيادة حماس التي تواجدت على الحدود، وتقزيم قرار القنص يهدف لتمكين المقاومة من الانسحاب من معادلة القنص إن كانت قد دخلت فيها.
هناك قاعدة "صهيونية" تقول: "أعلن أهدافك لأن إعلان الأهداف يمنع الحروب"؛ وعلى المقاومة أن تتمسك بمعادلاتها وأن لا تسمح لإسرائيل بإخراجها منها تحت أي مبرر، لأن توضيح المعادلة يضع "إسرائيل" أمام استحقاقاتها، وإذا كانت المقاومة قد قررت بالفعل استخدام سلاح القنص في مواجهة التوغل الإسرائيلي في دماء العزل؛ فإن الإعلان بليغ ويكفي لردع الطرف الآخر، ويضع "إسرائيل" أمام استحقاق جديد على حدود غزة. وعمليا أثبتت المقاومة أنها تمنع حتى اللحظة "إسرائيل" من فرض أي معادلات جديدة على الحدود.