شهدت البورصة الفلسطينية على مدار السنوات العشر الماضية، كبقية بورصات المنطقة والعالم، تقلبات كبيرة من زيادة مبالغ فيها في أسعار الأسهم المدرجة بالبورصة مقرونة بزيادة مماثلة في حجم التداولات اليومية ما أسهم في تحول العديد من الموظفين عن ممارسة وظائفهم اليومية مثل التدريس والتجارة أو حتى ابتعاد الأطباء عن عياداتهم والجلوس لساعات دون انقطاع أمام أجهزة الحاسوب ومراقبة حركة أسعار الأسهم والمضاربة بها ظناً منهم أن هناك أرباحاً سريعة قد تتأتى لهم من هذه المضاربات "شراء وبيع الأسهم" يفوق ما قد يجنيه هذا المواطن "المستثمر" من عمله الأصلي.
ففي النصف الثاني من العقد الماضي "2006 – 2009" ارتفعت أسعار بعض الأسهم أكثر من 500% ما يعني أن بعض المستثمرين وصناديق الاستثمار قد حصدت أرباحاً ضخمة تقدر بمئات ملايين الدولارات بعدما قاموا ببيع أسهمهم وإفراغ محافظهم الاستثمارية لمستثمرين جدد.
لقد خلق هذا الارتفاع المستمر لأسعار الأسهم رغبة جامحة عند صغار المستثمرين والمواطن العادي لزيادة المبالغ المستثمرة في سوق الأسهم ليتمكنوا من مضاعفة أرباحهم والارتقاء بمستوى حياتهم وتصنيفهم الاجتماعي، فدخلوا بقوة هذا المعترك مغامرين بمدخراتهم أو حتى أن بعضهم غامر بالحصول على قروض إضافية ليتمكن من امتلاك هذه الأسهم التي أصبحت في هذا الوقت تباع بسعر مضخم ولا يتناسب مع قيمتها العادلة والحقيقية. لقد هيأت هذه الظروف المناخ والتربة الخصبة لإقناع المواطنين بضرورة الاستثمار السريع حتى لا يفوتهم قطار الأرباح دون أن يكون لديهم أي خبرة أو حتى الحد الأدنى من المعرفة بآليات سوق الأسهم ومعرفة واقعية الأسعار للأسهم عند الشراء.
وللإنصاف، فخلال تلك الفترة قام العديد من الخبراء الماليين وأصحاب الخبرات في الأسواق العالمية والذين يتبعون أساليب التحليل العلمية بتحذير جميع ذوي العلاقة بالسوق من أن فقاعة “Bubble” بدأت تتكون في بنية هذه الأسهم وأنها قد تنفجر في أي لحظة مكبدة المستثمرين خسائر ضخمة.
وبالفعل هذا ما حصل، فقد بدأت الأسهم بالتراجع السريع متخلية عن جميع مكتسباتها السابقة حتى لامس المؤشر العام لسوق الأسهم الفلسطينية نفس المستوى الذي كان عليه قبل عشر سنوات، وبهذا تحقق المثل القائل "الثروات من السوق المالي، مع غياب نمو اقتصادي حقيقي، لا تستحدث ولا تفنى ولكنها تنتقل من مواطن إلى آخر". هذا الانقلاب في الأسعار كبد المستثمرين الجدد خسائر طائلة لا تزال آثارها ملموسة حتى يومنا هذا.
السهم كباقي السلع في السوق له سعر يجب أن يكون عادلاً ومنطقياً. ويتم احتساب قيمته السوقية عن طريق خصم التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة من هذا السهم. وعملية الخصم هذه هي عملية حسابية أهم مدخلاتها هي سعر الفائدة، والقطاع التجاري الذي ينتمي إليه هذا السهم، نمو أرباح السهم السابقة والمتوقعة، المنافسة في القطاع التجاري المعني، ومتانة الشركة المالية وأخيراً الطاقم الإداري ونظام الحوكمة. وكقانون عام يزداد سعر السهم كلما قلت نسبة المخاطر المقرونة بهذا السهم.
ودائماً وأبداً تتناسب أسعار الأسهم عكسياً مع سعر الفائدة، فكلما ارتفعت أسعار الفائدة على الودائع كلما ازدادت الضغوط على أسعار الأسهم وبالعكس. ذلك لأن المستثمر يرى في الودائع المصرفية الملاذ الآمن الذي قد يغنيه عن الاستثمار في الأسهم.
وأخيراً، أقدم نصيحة استثمارية قد يجدها البعض مفيدة وهي: "دائما يجب التنويع في الاستثمارات، إذا كان ذلك متاحاً، ما بين الودائع النقدية والأسهم والسندات".