في قراءة النّص الشعريّ لا يمكن ألا نتطرق إلى جمالية هذا النّص أو ذاك من حيث إثارة رغبة القارئ، وأياً كان القارئ حين يدخل في مغامرة القراءة،تبدأ إثارته من جمالية الجملة الشعريّة والمعنى وطراوة الّلغة ودلالاتها واستعاراتها، فتأتي من كون عناصر الإثارة هذه كلها تستلزم من القارئ أن يستنفر كل طاقاته المعرفيّة والذهنيّة والفنيّة لاستيعاب فكرة الشاعر.
نصوص الشاعر عامر بدران مجردة من التّعقيدات النظريّة وأبعادها المنهجية،رغم أن كل عناصر الإغراء وجدت في لوحاته،من الجماليّة اللغويّة والرمزيّة مما يشجّع القارئ على متابعة القراءة بذهن متقّد ومُرهف.
ولا يمكن الحديث عن الشعر وتطوره ومكانته دون الوقوف عند بعض النقاط الهامة في النقد الأدبي وتطوره، حسب قواعد معينة أو أساليب منهجية لمعرفة ما فيه من عناصر القوة والجودة بأثر إبداعي.
في ديوانه "ظلّي وحيداً" أغلب النصوص استمدت جمالها من الّلغة ومن عناصر الإيجاز أحياناً والكثافة والرؤيا، إضافة إلى بعض الخصائص الأسلوبية كالانزياح، كما أنها تتسم بالشّكل السرديّ الذي ينمو من خلاله التكثيف الشعريّ، ارتكزت النصوص على مبدأ التجريب.
عندما بدأت بقراءة ديوان"ظلّي وحيداً" جعلني أرقص على رؤوس أصابعي،وحين وصلت إلى النهاية أدركتُ أنني رقصتُ فوق رفاتي.
ذاك الذكاء الصادم للقارئ لا يجيده غالبية شعراء العصر،وهذا هو الأجمل حين يلعب الشاعر دور المرشد والكاشف معاً،بحيث أنه لا يشعرك بإتيان المفاجأة،يرقص ويضحك معك،وفي النهاية يتفاجأ معك.ثم يقف قبالتك مكتوف الأيدي ويسألك: "هل كنتَ تعتقد أنني من سعداء الأرض،أم تراك ظننتني من غير سكّانها؟"
يقول الشاعر في مطلع ديوانه من نص "ذات خميس"
"وحين وجدتكِ
أصبحَ في الدنيا أضواء،
صار للأشياء أسماء،"
هنا جاء الارتكاز على ما جرى رصده من مؤشرات إيجابية في النّص، ويمكن القول إن هناك قوّة في الوعي بالمفاهيم والأبجديات لدى الكاتب ليست بسيطة في المكون الاجتماعي والنّفسي، في سياق معالجته للقضايا الشخصيّة والوطنية، وما يستحق تسجيله لصالح الشاعر صور ولوحات موزونة، ويمكن الجزم بأن واقع الشاعر أسّسَ لحركة واعية في أهدافها.
لا أعرف حجم النّزق الذي يعتمل دواخل الشاعر نتيجة لتعاطيه كومة من الأحداث الّتي تسخر من أحوالنا العامة والشخصية وتَجسّد معظمها في نصوصه، فالشعر حين يولد كفكرة توحد في مضمونها الجغرافيا الممزّقة، تعيد تكوين المشاهد وتعالج كتل المشاعر المتكدّسة فتمحو بوعي الخفّة والطيش.
يصدمنا عامر في نهاية ديوانه وفي لوحته الأخيرة الّتي جاءت بالّلكنة المحكيّة "هالباب":
هالباب صرلو سنين مش مفتوح
ولليوم ريحة إيدِك بإيدو
يللا ارجعي خلّي الحمام يروح
يبني على غصن الشجر عشو
يللا ارجعي خلّي الحزن والهم
يغفى ورا حيطان ليلتنا
ونسهر لوجه الصبح ما نهتم"
اليأس ظاهرة غير صحية يؤسف لوجودها، ويتسبب ذاك الوجود في بروز حالة الإحباط لدى العقول النيّرة ويدفعها إلى التقهقر عن ممارسة دورها الوطني الذي نحن في حاجة إليه، ويؤسس أيضاً لبناء حركة فكريّة غير بناءة تسهم في تعضيد مقومات الهدم وليس البناء الذي ينشده المجتمع ويسعى للظفر بثمرة منجزاته، وذلك ما لن نعثر عليه في لوحات الشاعر عامر بدران، فرغم أنها، وإلى آخر بيت من ديوانه، لم تعد إلا أنه بقي مصرّاً على الاحتفاظ بأمل عودتها ينمّي أحلاماً صالحة لمستقبل مجهول.