توّجت مصادقة الكنيست فجر يوم الخميس 19/7/2018 بالقراءة الثالثة على قانون الأساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي، مرحلة طويلة من السياسات التمييزية، والممارسات والإجراءات العنصرية تجاه كل تجمعات الشعب الفلسطيني، وباتت تؤسس لمرحلة نوعية جديدة من سياسات التمييز هي دولة الأبارتهايد بنسختها الصهيونية الجديدة. وقد اكتسب القانون صفته الدستورية النهائية، ومن المعروف أن إسرائيل تستعيض عن الدستور بما يسمى "قوانين أساس" التي تعلو في قوتها وإلزاميتها على القوانين العادية التي تسنها الكنيست.
صوّت مع القانون 62 عضو كنيست وعارضه 55، جميع المؤيدين هم من أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم ، بينما المعارضون هم 53 من أحزاب المعارضة وعضوان من الائتلاف، وامتنع عن التصويت عضوان.
هذه الخطوة ليست مجرد إجراء عدواني جديد، ولا هي فصل من المناكفات والتجاذبات الحزبية بين الحكومة والمعارضة، وإنما هي تتويج للاتجاه السياسي الذي يتطور في إسرائيل منذ سنوات طويلة، وهو يتوّج سلسلة من أكثر من 60 قانونا عنصريا سنتها الكنيست خلال السنوات الماضية، وتمس بالحقوق السياسية والمدنية للفلسطينيين سواء الذين يعيشون داخل المناطق المحتلة عام 1948، أو تجاه فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1967. كما أن قانون الأساس الجديد يعطي حكومة اليمين الحاكم قوة قانونية إضافية لمواصلة إجراءاتها وسياساتها، ويحسم الجدل والخلاف التاريخي بشأن هوية دولة إسرائيل التي تعرف نفسها على أنها دولة يهودية ديمقراطية، فينحاز صراحة للصفة اليهودية على حساب الديمقراطية، وهذا ما اثار اعتراض أوساط واسعة من القوى المعارضة، لا سيما وأن الجدل لم يحسم حتى الآن بشأن "تعريف اليهودي" ما يفتح الباب واسعا أمام سياسات الإكراه الديني وتسلط الأحزاب الدينية على الفئات العلمانية.
يتحدث القانون عن "الشعب اليهودي" وهي صفة تنطبق على اي يهودي في العالم وتعطيه حقوقا في أرض فلسطين على حساب حقوق شعب فلسطين، علما بأن قانون العودة اليهودي يعطي أي يهودي حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية لمجرد أن تطأ قدماه أرض فلسطين، و"إسرائيل" تنصّب نفسها مسؤولة عن كل يهود العالم وسلامتهم في انتهاك صارخ لسيادة الدول التي يعيش فيها اليهود كمواطنين.
ويسمي القانون "أرض إسرائيل" أي أرض فلسطين التاريخية، وربما أراضي شرق الأردن حسب بعض القوى التي تقف خلف القانون، باعتبارها وطنا تاريخيا للشعب اليهودي.
ويعرف القانون في بنده الثاني "دولة إسرائيل" بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، ولا ذكر لغير اليهود وحقوقهم أو لمبدأ الجنسية والمواطنة. ثم يحصر حق تقرير المصير باليهود فقط. ورموز الدولة كلها مستمدة من تاريخ اليهود وأساطيرهم: اسم الدولة، العلم، الشعار (الشمعدان) النشيد الوطني ( هتكفا)، ايام العطل ( السبت والأعياد اليهودية) ويوم الذكرى ويوم الاستقلال، والتقويم العبري.
العاصمة هي القدس "الكاملة والموحدة" بما يشمل قرار ضم القدس الشرقية والمستوطنات المحيطة بمدينة القدس، اي القدس الكبرى الممتدة من رام الله شمالا إلى بيت لحم جنوبا، وبدائرة قطرها 30 كم تشكل مساحتها أكثر من 15% من مساحة الضفة الغربية.
ويلغي القانون المكانة التي تتمتع بها اللغة العربية كلغة رسمية، ويتحدث عن اللغة العبرية باعتبارها اللغة الرسمية الوحيدة.
ويؤكد القانون الجديد على مبدأ قانون العودة لليهود ويعتبر أن الدولة تظل مفتوحة ليهود الشتات دون اي قيد، ويرتّب مسؤوليات على الدولة تجاه كل يهود العالم باعتبارهم هم شعب الدولة، وعليها تقع مسؤولية سلامتهم.
ومن أخطر بنود القانون، وكلها خطيرة بلا شك، اعتباره الاستيطان قيمة وطنية، وأن مسؤولية الدولة تشجيعه وتطويره، وبذلك تتجاوز إسرائيل كل أكاذيبها بشأن الاستيطان وعن ضرورات التطور والنمو الطبيعي للسكان، ليصبح الاستيطان مهمة قومية، ومن شأن ذلك ايضا إبطال أكذوبة المستوطنات الشرعية وغير الشرعية.
معدّو القانون سعوا لتحصينه ومنع تعديله مستقبلا، باعتباره قانون اساس، لا يمكن تعديله أو تغييره إلا بقانون أساس وبغالبية أعضاء الكنيست وليس مجرد اغلبية الحضور.
قانون الدولة القومية يفتح صفحة جديدة في الصراع مع المشروع الصهيوني الذي بات سافرا وواضحا أكثر من اي وقت مضى في إظهار أطماعه التوسعية، وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني، وسعيه الحثيث لتقويض حل الدولتين وشطب حقوق اللاجئين في العودة الى ديارهم، بل وحتى نفي انتماء الفلسطينيين لوطنهم. وهو يعلن صراحة تأسيس دولة تمييز عنصري "أبارتهايد" على غرار نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا، مع الفارق أن النظام الأخير على يعمل على تهجير واقتلاع مواطني جنوب افريقيا الأصليين.
إن التصدي لهذا المشروع العنصري هو مهمة كل تجمعات الشعب الفلسطيني بكل مكوناتها الوطنية والسياسية والاجتماعية، فأبناء الداخل معنيون بالدفاع عن حقوقهم القومية الجماعية السياسية والمدنية والمعيشية التي يسعى هذا القانون لسلبها، كما أن شعبنا في الضفة بما فيها القدس والقطاع معني بالتصدي لهذا القانون بانعكاساته الخطيرة على قضية القدس، والاستيطان فضلا عن حق تقرير المصير، وتجمعات الفلسطينيين في الشتات معنية بمواصلة تمسكها بحق العودة، وتمسكها بعلاقتها بوطنها التاريخي الذي لا وطن لها سواه.
إن قيام دولة ابارتهايد جديدة يمثل خطرا على البشرية بأسرها، وليس فقط على الشعب الفلسطيني الضحية المباشرة لهذا القانون، كما أن الاستقواء بقوة الاحتلال العسكرية ودعم إدارة الرئيس دونالد ترامب لتمرير هذا القانون العنصري وصمتها عليه، يمثل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، ويحلّ منطق القوة وشريعة الغاب محل القانون الدولي.