الحدث
إن ما يدهشك في الشهداء بعد الفعل هو بلاغة ما يكتبون؛ تنتظم كلماتهم وطنا من الرؤية في زمن انعدام الرؤية، وفي الوقت الذي يذهب فيه المختصمون للقاهرة ليلملموا بقايا المشروع الوطني، يتلو محمد ابن السادسة عشر عاما من كوبر في آخر ما كتب بيانا في الوحدة الوطنية والتذكير بالقضايا الأساسية والمركزية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قبل أن ينطلق إلى أقرب نقطة مكملا مشروعه برؤيته.
تعطيك صور الشهيد انطباعات بأنه لم يكن يبحث عن مفقود في هذه الحياة، ولكنه التقط كلمة سر كبيرة تهامس بها قادة "إسرائيل" قبل أيام، عندما صرّح بعضهم عبر وسائل الإعلام العبري بأن الرؤية الأمنية في غزة تراعي بأن التصعيد الواسع قد يجرّ الضفة لدائرة المواجهة؛ وهذا أمر يشكل خطورة كبيرة على الأمن الإسرائيلي، وأن جبهة الضفة يجب أن تبقى هادئة لأنها الأخطر.
وقبل أيام، وقف ليبرمان متفاخرا ومتباهيا أمام سكان سديروت، وقال لهم إن "إسرائيل" التي أوقفت ظاهرة السكاكين لن تعجز عن وقف ظاهرة البلالين، ماذا سيقول ليبرمان لسكان سديروت الليلة؟ عليهم أن لا يثقوا بأن البلالين ستقف.. لقد صفع محمد وعودات ليبرمان لسكان سديروت.
عملية محمد في بعدها الاستراتيجي، هي ناقوس خطر دقّ أمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وليس من المبالغة أن نقول أن قادة الاحتلال سيعيدون حساباتهم في غزة جيدا، لأنهم إذا كانوا متخوفين من التصعيد في غزة بسبب الجبهة الشمالية، فإنهم اليوم أمام بوادر اشتعال الجبهة الأكثر خطورة بالنسبة لهم؛ الضفة الغربية.