سأقولُ الحقيقة لـ الشاعرة هلا شروف

سأقولُ الحقيقة، ولا شيءَ غير الحقيقة:

منذُ ذلك اليوم الذي رأيتُكَ تنسابُ فيه من الشقوقِ عرفتُكَ.

كانت الشمسُ تختفي وراءَ حجابٍ من الغيم،

وكنتُ بلا حائطٍ أو وتد،

خيمتي طارتْ مع الريح، وكنتُ مُستوحِدةً ومُستوحِشة.

أبرَقَتْ وأرعَدَتْ، وسالتْ مياهٌ على كلِّ شيءٍ،

تبلَّلْتُ حتى ذابَ ملحي، ولم يعُد لي مفرٌّ من الماءِ سوى الماء.

قلتُ: اسبحي.

استدقَّ عودي ورقَّ جلدي، وهِمْتُ.

القشعريرةُ لازمتني، ووخزٌ على باب صدري، وفراشةٌ طارتْ في دمي،

وصرتُ أهذي،

أنادي ولا أجدُ، أمشي ولا أصلُ.

أنا إن سمعتُكَ، ماذا سأسمع؟

يومانِ في الطين،

والمارُّونَ بي يرونَ جذعي يكادُ يئنُّ من وطأةِ الريح،

وأنا أرى الليلَ والنجمَ مفاتيحَ للأُنسِ

وأرى ما وراءَ الجبالِ مغاليقَ للشَّك.

قلتُ: احدِسي،

وغرزتُ حدسيَ في الطينِ إلى جانبي،

ودَلَقتُ ماءً علينا كِلَينا،

المارُّون بنا رأوا جذعَينِ كادا يطيحانِ من ثِقَلِ السواد،

ونحنُ رأينا السكونَ مداخِلَ للنور،

ورأينا ما تحتَ جِذعَينا مخارجَ للأسى.

أنا إن رأيتُكَ ما الذي سأراه؟

سأقولُ الحقيقة، ولا شيءَ غير الحقيقة:

منذُ ذلكَ اليوم الذي قلتُ لكَ فيه كُنْ، كُنتَ،

وتقشَّفْتُ في كلِّ شيءٍ سوى في الكلام:

الكلامُ بحرٌ أقفزُ فيه،

الكلامُ داءٌ أداويهِ بالكلام،

الكلامُ دواءٌ أستطبُّ به،

الكلام ترابي الذي أزرعهُ بما أشاء، فينبتُ ما أشاء،

وأسقيهِ بالماءِ وأقطفُهُ،

الكلامُ هائمٌ على وجهه فأدُلُّهُ إلى الكلام،

الكلامُ ماءٌ أدلُقُهُ في فتحةِ الروح فتتّسع،

الكلامُ فتحةٌ في الروح أدلقُ فيها الماءَ فيزهر،

الكلامُ مطرقةٌ على رأسِ نفسِهِ،

الكلامُ بابٌ ومفتاحٌ،

الكلامُ بابي إليكَ

ومفتاحُ بابي إليكَ.

سأقولُ الحقيقة، ولا شيءَ غير الحقيقة:

منذ ذلك اليوم الذي تبلَّلْتُ فيه ناديتَني:

هِي، أنتِ، أيتها المُعشوشِبة.