في اليوم العالمي لكافحة الفساد..
الحدث- محمد غفري
وجد الفساد مع وجود الإنسان على الأرض، حيث الهم الله الإنسان طريق الخير وطريق الشر، وكان الصراع الأبدي بين الخير والشر إلى يومنا هذا، ولذلك ليس من باب الصدفه أن يكون الفساد وأعوانه ظاهرة عالمية لا يخلو منها مجتمع على وجه الأرض مع نسب مختلفة بين مجتمع وآخر.
الفساد في فلسطين
لقد قدم الشعب الفلسطيني كل أنواع التضحيات للحفاظ على وطنه وتحريره من أيدي الاحتلال الذي يعتبر أسوأ أنواع الفساد الذي واجهته الشعوب، وما يزال الشعب الفلسطيني يحارب كل أنواع الفساد السياسي والمالي والأخلاقي، وفي مقدمة كل ذلك فساد الاحتلال، الذي يقوم بكل أنواع الجرائم اللا إنسانية ضاربا بعرض الحائط كل القوانين والإتفاقيات الدولية، سواء كان ذلك في الاستيلاء على الأراضي، أو في حرق أماكن العبادة، من مساجد وكنائس وقتل المدنيين واعتقالهم واستعمال كل الوسائل المحرمة دوليا ضدهم، لذلك ليس غريبا أن يكون من أهم شعارات النضال الفلسطيني.
تظهر تقارير النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين غياب الخطة الوطنية الشاملة لمكافحة الفساد، كما أن الانقسام السياسي وما تبعه من تعزيز لتسييس الوظيفة العامة خاصة بشأن شغل الوظائف العليا قد فتح المجال للاستغلال والفساد من قبل المتنفذين السياسيين على قاعدة حشد الموالين وإبعاد المعارضين من المواقع الوظيفية والتي تفترض بشاغلها الحيادية والمهنية، ولقد أظهرت دراسة تقييم نظام النزاهة أن الأحزاب والفصائل السياسية ضعيفة في تشكيل الإرادة السياسية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
فإن استمرار تجاهل الكثير من المسؤولين لحق المواطنين في الوصول للسجلات العامة والمعلومات غير السرية أو الشخصية الخاصة، ورفض نشر شروط ومعايير اشغال الوظائف أو تقديم الخدمات العامة بحجج مختلفة، شكل بيئة سهلت استغلال الوظيفة العامة والتكسب الوظيفي واستخدام الموقع وقراراته لتبادل المنافع مع آخرين لمصلحة خاصة.
ويؤكد تقرير النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين عام 2013، أن قطاع العدالة أضعف منظومة المساءلة وسهل الإفلات من العقاب.
كما أن اسرائيل استمرت في سرقة المال العام الفلسطيني مستغلة غياب الشفافية والمحاسبة على فواتير المقاصة وفي مجالات متعددة تصل إلى مئات ملايين الشواقل، وهذا يعكس حالة عدم الجدية من الجانب الفلسطيني الرسمي لوقف هذه الظاهرة.
ومن الجدير بالاهتمام أيضاً، أن المؤسسات الغير وزارية منْ يُسائلُها، وهذا ناتج عن ضعف أليات المساءلة عن اعمال مسؤوليها ناهيك عن عدم وضوح شروط شغل مسؤوليها وعدم فتح المجال للمنافسة لهذه الوظائف.
وما زالت الموازنة الخاصة بالنفقات الأمنية الضخمة والتي تشكل قيمة فاتورة الرواتب، معظمها موضوع جدل حول مبراراتها وشفافية الواقع التفصيلي واليات المساءلة حول تفاصيل انفاقها، ولم تظهر الموازنة المعتمدة لعام 2014 التفاصيل الكافية لدراستها وابداء الرأي بشان ترشيد نفقات قطاع الأمن التي وصلت عام 2013 إلى ثلث النفقات العامة ومن المتوقع أن ترفع فاتورة الرواتب الخاصة.
ولقد أدت حالة استخدام الاستثناءات الممنوحة لبعض المسؤولين في اتخاذ قرارات بالشأن العام، إلى مخالفات مبدئية لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في أكثر من مجال، حيث تم استخدام هذا السلوك في العام الماضي من ترقيات لاشخاص أو تأمين علاج في الخارج لاشخاص بدون وجه حق وفقا لقانون ونظام التامين الصحي، وكذلك الأمر في تجاوز بعض المؤسسات الرسمية لأحكام قانون العطاءات العامة.
هذا فضلا عن عدم تقدم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لأية تقارير دورية عن الاملاك الوقفية وايراداتها وارباحها واستثماراتها إلى مجلس الوزراء، ولا تخضع الحسابات البنكية التي تورد لها الايرادات الوقفية لرقابة وزارة المالية.
كما أن السلطة الفلسطينة تفتقر لخطة عمل واضحة تجاه القدس ومواطنيها، ما يبقي حالة الإرباك في ألية تعاطي الحكومة الفلسطينية مع ملف القدس وللدور الذي تريده الحكومة من الوزارة أن تقوم به في الوقت الذي تشتت مجالاته بين الوزرات ومؤسسات عديدة تعمل باسم م.ت.ف.
ناهيك عن استمرار الفساد في ظاهرة الأغذية والأدوية الفاسدة، إذ لا توجد أية أرقام أو أحصائيات حول هذا الأمر، لكن ما ينشر في وسائل الاعلام بشكل شبه يومي يؤكد على ذلك.
لذلك تأسست هيئة مكافحة الفساد بمرسوم رئاسي فلسطيني في يوليو/ تموز 2010، وتحظى باستقلالية إدارية ومالية، ويقع على عاتقها محاربة ومكافحة الفساد المالي والإداري في فلسطين.
وحول هذه الهيئة قال الرئيس محمود عباس:"صحيح أنه ليس لدينا دولة مستقلة، ولكن لدينا مؤسسات وقوانين ومحاكم وقضاء، والاستقرار سيأتي عاجلا أم آجلا، ولكن يجب أن نبرهن للعالم، وهناك تقارير صدرت عن مؤسسات دولية تشيد بمحاربتنا للفساد، ولكنها لا تنشر لأنها لصالحنا، وهي مهمة جدا من دول ومؤسسات دولية، تقول إن الوضع الفلسطيني جيد ولكنه ليس بنسبة 100%،".
جاء ذلك خلال احتفال نظمته هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، يوم الأحد السابع من هذا الشهر في رام الله بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
وأضاف الرئيس أن "الإرادة متوفرة لدينا جميعا بأن ننهي الفساد، ولا أحد يملك أن يقول للهيئة نعم أو لا، أو أن يتدخل في شؤونها، فأنا شخصيا أو غيري ممنوعون أن نتدخل، والهيئة تعمل بشكل شفاف وعظيم".
وأعلن رئيس هيئة مكافحة الفساد في فلسطين رفيق النتشة خلال كلمة ألقاها في تلك المناسبة، أن الهيئة أحالت ملف القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان إلى محكمة جرائم الفساد، التي ستنظر في تهمة "الفساد وتهمة الكسب غير المشروع".
وأشار إلى إصرار الهيئة على التحقيق مع كل المتهمين في قضايا الفساد حيثما وجدوا، حيث إن الهيئة لن تسكت عن أي أحد يحتمي بأي شخصية كانت، بحد قوله.
(9 ديسمبر/ كانون أول) يوم مكافحة الفساد العالمي
بات الفساد اليوم وبخاصة في ظل العولمة والنظام العالمي الجديد آفة كبرى من آفات العصر الحديث، وبموجب القرار الصادر في يوم 31 أكتوبر/ تشرين أول عام 2003، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تسمية يوم 9 ديسمبر/ كانون أول من كل عام اليوم العالمي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد، التي صارت وباءً عالمياً أشبه بالسرطان الذي ينهش جسد الدول والمجتمعات، وكذلك للتعريف بدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في منعه ومحاربته، وللتذكير الدائم للدول ومنظمات التكامل الاقتصادي الأقليمية المختصة على التوقيع والتصديق على الاتفاقية المذكورة ضماناً للتعجيل في نفاذها.
وقد دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيز التنفيذ دولياً في 14 ديسمبر/ كانون الأول عام 2005، وتشكل هذه الاتفاقية خطوة مهمة في حركة مكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم، حيث تندرج تحت هذه الاتفاقية إلتزامات لجميع الدول للعمل على تحريم الفساد بكل أشكاله، وتشكيل ودعم المؤسسات العاملة على منع حدوثه، وملاحقة مرتكيبه، وتؤسس هذه الاتفاقية لمنهج شامل متعدد المسارات لمنع الفساد ومكافحته بفعالية وكفاءة من منطلق أن الفساد لم يعد شأنا محلياً.
تأتي هذه الاتفاقية لتشكل منظومة متكاملة مع "إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، ولتؤكد أنه ليس هناك مجال للتعايش مع هذه الظاهرة المدمرة التي تحولت إلى شأن دولي بامتياز، فأوجبت استجابة دولية واسعة تمثلت باعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ودخولها حيز النفاذ سنة 2005 حيث وصل عدد أعضائها سنة 2010 إلى 148 دولة طرفاً، من بينها 16 دولة عربية.
الفساد في الوطن العربي والعالم
تكلف عمليات الفساد والاحتيال وغسل الأموال حسب أرقام مؤسسات دولية 1600 مليار دولار سنويا، ما يعادل حوالي 9% من الناتج الإجمالي العالمي، فمنظمة الشفافية الدولية تعرف الفساد أنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية، لأجل ذلك وضعت مقياس من مئة درجة تأتي الدول الأقل فسادا في الأعلى وفي الأدنى الدول الفاسدة على الترتيب.
وفي تقرير عام 2014 قدرت المنظمة معدل الأداء العالمي في مواجهة الفساد بـ 43% ، وكانت دول كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا والسويد والدنمارك الأقل فسادا مع اختلاف النسب فيما بينها، بينما حلت كوريا الشمالية والصومال ومالي وأنغولا وأفغانستان كمثال.
ومن اللافت أن 70% من الدول من أصل 175 أحرزت درجات دون المتوسط، ويرتبط ذلك باساءة استخدام الأموال العامة وتهريبها والأفلات من العقاب، وأحسن النتائج في مكافحة الفساد سجلت في الاتحاد الأوروبي والأمريكيتين ثم أسيا ودول المحيط الهادي فباقي المناطق.
أما في العالم العربي والشرق الأوسط فسجلت 91% من دوله درجات أقل من 50%، باستثناء قطر والأمارات بحلولهما في مراتب متقدمة (25,26)، ثم حلت بعدها دول كالبحرين والسعودية وعمان والكويت، بينما جاءت تونس والمغرب في مراتب متوسطة، ثم مصر والجزائر.
ومن اللافت أيضا أن ستة دول عربية جاءت ضمن أكثر عشرة دول فسادا في العالم، وهي العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان والصومال.
يقدر خبراء دوليون حجم الفساد الذي ينخر الإقتصاد العربي سنويا بـ 400 مليار دولار، ويبلغ نصيب العالم العربي من غسل الأموال وتهريبها نحو 25 مليار دولار بنسبة 2% من الناتج الإجمالي العربي، وأظهرت نتائج دراسات أن تراجع الفساد بنسبة 30% سوف يقابله ارتفاع في حجم الاستثمار بنسبة 4% وارتفاع في الناتج الإجمالي بـ 0.5% .
ولهذا دعت منظمة الشفافية الدولية الدول حيث الفساد محدود في قطاعها الحكومي إلى الكف عن تشجيع الفساد خارج أراضيها ومنع غسل الأموال ومنع إفلات الفاسدين من العقاب.