الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أهالي مخيم البارد في بركسات حديدية مثلجة خلال العاصفة أليكسا

2013-12-22 00:00:00
أهالي مخيم البارد في بركسات حديدية مثلجة خلال العاصفة أليكسا
صورة ارشيفية

لبنان- مصطفى أبو حرب

حلت العاصفة الثلجية اليكسا يوم 2013-12-9 ضيفاً ثقيلا على لبنان طيلة ثلاثة أيام لأنها حملت معها ثلوجاً وأمطاراً وبرداً، أحالت حياة الناس إلى زمهرير لا يطاق. هذا حال من كان يعيش في بيت من باطون وقد تسمر أمام المدفأة وقضى أيام العاصفة الثلاثة برفقة الزوجة والأولاد يشوي البطاطا الحلوة والكستناء.

ولكن حال سكان بركسات الحديد (بيوت الإيواء المؤقت) في مخيم نهر البارد التي ما زال يسكنها 200 عائلة، كانت على غير صورة لأنها تحولت إلى ثلاجات لا تصلح إلا لحفظ اللحوم والدجاج والخضار، ولا تصلح للعيش الآدمي لأناس تحولت حياتهم بين ليلة وضحاها إلى جحيم لا يطاق، فلا الصيف بلهيبه أسعفهم ولا برد الشتاء جمع العائلة وأواها. 

السماء تصب أمطارها والمياه تملىء المكان والشوارع تنبع من كل حدب وصوب وأسقف البيوت وحيطانها تدلف من كل ناحية إلى داخل البيوت، حتى بات الناس يشعرون بأنهم غرقى يتنفسون تحت الماء، حيطان البركسات أخذت ترسل بخارها كأنها من جليد، والرجال يحاولون جمع الحطب من أجل التدفئة، والنسوة يخفن من الجرذان التي هربت من جحورها لتشارك العائلات سكنها، والكل ينظر إلى الكل إلا الأطفال الذين غلبهم النعاس فناموا تحت أغطية كانت لكل العائلة ولكنها اليوم لا تقوى على تدفئة الرضيع ابن الشهرين الذي ينام تحت ناظري أمه التي ترقبه ليس خوفا من البرد وإنما حظراً من جرذ هارب يلوذ به ليتدفأ هو أيضا.

بركسات الحديد التي انشأتها الأنروا في العام 2008 لإيواء أهالي مخيم نهر البارد بشكل مؤقت بعد حرب الجيش اللبناني ضد جماعة فتح الإسلام لإيوائهم لحين الانتهاء من إعادة إعمار المخيم القديم أصبحت مصدراً للعديد من الأمراض (ضغط الدم والروماتيزم والمفاصل والربو وأمراض أخرى لا نقوى على ذكرها الله يعلمها.

قصدنا مخيم نهر البارد في نهار مشمس نسأل عن برد اليكسا وما خلفته وراءها  فوجدنا أنها ذهبت مخلفة لدى العديد من الأطفال نزلات البرد والسعال والانفلونزا والرشح وللكبار أوجاع المفاصل.

حدثتنا السيدة زينب الحاج (من حارة عمقا) التي قالت بأن الوضع بالعام صعب في البركسات ولكن أثناء العاصفة الأخيرة كانت الأمور مأساوية لأن السماء كانت تمطر والشوارع ملئت بالمياه، ولم تستطع قنوات الصرف الصحي تصريف المياه، فعامت البيوت ودخلتها المياه، حتى أن البيوت دلفت إليها المياه من الأسقف ووصلات الحيطان والله وحده يعلم كيف تدبرنا أنفسنا مع العلم أنني أسكن في الطبقة الثانية من البركسات إلا أنني عانيت الأمرين، حتى الجرذان هربت من جحورها وصعدت إلى بيوتنا هربا من شدة البرد والمطر. 

تضيف السيدة زينب لقد نمت وأولادي الثلاثة في وسط الغرفة وأعيننا مفتوحة خوفا على وليدي ابن الشهرين من أن يعضه جرذ هارب فيسبب له الطاعون وها هو الطفل يعاني من نزلة صدرية منذ عدة إيام. 

وتتابع بأنها ضاقت ذرعا بهذه العيشة المُرة حيث لا يوجد أي من وسائل الراحة  المنزلية من مياه ساخنة أو وسائل تدفئة وكل ذلك بعلم كل الجهات الراعية لنازحي مخيم البارد (الأونروا، ومؤسسات N G O’S) وبانتظار الانتهاء من إعمار المخيم  القديم سوف يبقى الحال على ما هو عليه بل سوف يزداد سوءاً لأن البركسات لا تخضع لأي عملية ترميم  أو صيانة منذ إنشائها مما سيفاقم من هذه المعاناة إلا إذا تم الانتهاء من إعمار المخيم القديم.

أما الحاجة ليلى الشفا عمري (66 عاما) اللاجئة من مخيم اليرموك من سوريا منذ  سنة وقد حطت بها الرحال في بركسات الحديد في مخيم نهر البارد فتقول: «والله ما كنت أظن أن تصل بنا الحال للعيش في هذه الظروف، لقد تحملنا حر الصيف حيث تحولت هذه الحاويات إلى مخامر موز فأخرجنا للسهر القصري خارجها، ولكن أن نضطر للخروج والوقوف في برد الليل أرحم من البقاء داخلها وتحمل بردها، ولقد كان الأمر غاية في الصعوبة عندما ترى كبار السن والرجال متحلقين حول موقد الحطب يتدفؤون وبيوتهم خالية من ساكنيها إلا من القوارض والحشرات.

وتضيف الحاجة ليلى بأنها هربت مع عائلة ابنها خوفا من الموت برصاصة طائشة او قذيفة مجهولة الهوية إلا أنهم اليوم يموتون ألف مرة في اليوم في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، لا بل المعقدة، فرحلت عنا اليكسا مخلفة أوجاعاً في المفاصل ورشحاً ورغبة عندنا لا تنتهي بعدم الدخول إلى غرف الحديد، فأنا أقضي كل النهار أبحث عن أشعة الشمس كي أدفئ بها هامتي لأنني لا أستطيع تحمل برد جدران الحديد لما يسمى بغرف الإيواء المؤقت. وتتساءل لماذا لم يبادر أحد إلى تقديم يد العون والمساعدة لتخفيف معاناة الأهالي بتقديم دفايات المازوت لتقي الناس من البرد القارس الذي نخر عظامهم.

أما السيدة نسرين عبدالعال ربة منزل، فلديها 9 أولاد، تقول منذ سبع سنوات ونحن نعاني الأمرين في هذه الحاويات التي لا تصلح لعيش البهائم، ولكننا ارتضينا بها سكناً كي يعاد إعمار مخيمنا ونعود إلى بيوتنا التي دمرت بالكامل جراء حرب الجيش اللبناني ضد ما يسمى بفتح الإسلام.

لقد تحملنا كل قساوة ظروف العيش فيها إلا أن برد هذا العام، وتحديداً هذه العاصفة التي سموها اليكسا، كانت فوق المعقول فلم تغمض لنا عين طيلة ثلاثة أيام لأن (البردان والجوعان لا ينامان) وتضيف والله نحن لم نكن جوعى ولكن البرد نخر عظامنا، كنت أنظر إلى أولادي يرتجفون فتنهمر دموعي على وجهي وهم الذين مارسوا كل أنواع التدفئة الرياضية فصفقوا ونطوا وركضوا ولكن كيف لها أن تدفئ جدران الغرفة وأرضها وهي حديد تدنت درجة حرارته إلى ما دون الصفر.

وأكدت السيدة بأن حالها لم يكن أفضل من جيرانها لأنهم تجمعوا كلهم خارج غرف بيوتهم الخالية من كل وسائل التدفئة لمقاومة البرد المختبئ بداخلها.

وتتابع السيدة نسرين وهي الجالسة أمام بيتها تغازل أشعة الشمس بأن الله هو الوحيد العالم بحال سكان بركسات الحديد في الوقت الذي غفلت عنهم كل أعين المسؤولين في الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية، لأن هناك أولويات في نظر هؤلاء المسؤولين وكأن مشكلة أهالي البارد قد حلت ولم يعد هناك مأساة وأمراضاً لأناس يعيشون خارج حدود المعقول أو في معازل بشرية تستشري فيها الأمراض ممنوع على الأصحاء دخولها.

للسيدة نسرين ولد اسمه وائل، عمره ثلاث سنوات، يعاني من كهرباء في رأسه وعدم تركيز، وتقول بأنها لن تتحدث عن مرض ضغط العيون وأمراض المفاصل والروماتيزم التي باتت صديقة لكل عائلة تسكن في هذا الحي.

نريمان اسماعيل، طفلة عمرها تسع سنوات، تعيش في البركسات تقول: «أنا كتير بردانة وهون العيشة ما حلوة وما بعرف قديش بعد بدنا نضل هون ويا ريت يصير عنا بيت مثل بيت رفيقتي  بالمدرسة، يلي خبرتها قديش بردت وكيف إمي نيمتني بحضنها لدفيت بالشتا بس هي كانت عم تتطلع مستغربة حكايتي لأنها ما طلعت برا البيت وما تبللت بالمي وما خافت لما نامت بتختها، أنا بحبها لرفيقتي بس بحب يصير عنا بيت متل بيتها ولعب متل لعبها».

مجموعة أخرى من الأولاد تراكضوا أمامنا طلبوا منا تصويرهم ولم يتحدثوا لأنهم يعيشون اللحظة بعيداً عن أية حالة من التأفف لأن غالبيتهم قد ولدوا في هذا المكان الموحش وتألفوا معه فبات ملجأهم وعشهم الدافئ صاحب الجدران الثلجية.

وبالصدفة رأينا عجوزين يجلسان خارج البركسات يستفيدان من أشعة الشمس لينعما بدفئها وحرارتها هرباً من برد الحديد وغرف الإيواء.

اما العجوز السبعيني مرعي الحاج من مخيم شاتيلا فيقول: «والله جئت لزيارة شقيقي فعلقت عنده بسبب العاصفة، ولكن البرد عندهم لا يطاق، الله يعينهم، وأنا هياني طلعت أتشمس لعلي أدفأ قليلاً لأنه يا جدي داخل الغرف برد وأنا عندي شوية مشاكل صحية والبرد لا يناسبني». 

يحتاج سكان بركسات الحديد إلى الكثير من أعمال الصيانة لغرفهم لأن خشب الأرضيات قد تلف ونخرته القوارض وحيطان الغرف باتت مشققة تدخل الريح والحشرات من حوافها وخزانات المياه الساخنة التي تعمل على الطاقة الشمسية قد تعطلت بفعل الزمن. والصرخة تخرج من أفواه المتألمين مدوية ولكن لن تجد آذاناً تسمعها “لأنك أسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي» هذا ما قالته الحاجة ليلى بصوت خافت لا يكاد يصل آذان السامعين