الجدل الذي تزامن مع الإفراج عن الأسيرة عهد التميمي، كان جدلا في غالبيته "جدلا كميا" وركزّ على عدد وشكل المصورين والصحفيين، هناك زاوية لم تثر.. من أفضل ما قالت عهد التميمي في مؤتمرها الصحفي إنها تقاطع الإعلام العبري، وأكدت التميمي أن الإعلام العبري جزء من الرواية الإسرائيلية.. جيد يا عهد وعظيم بل هو نصف الرواية يا عزيزتي بكل اتجاهاته المزعومة (يمين ويسار).
في اليوم التالي للإفراج عن عهد وأمها، أجرت أمها مقابلة مع الصحفي الإسرائيلي "أورن زئيف"، وإذا ما تجاوزنا مبدأية مقاطعة الصحافة الإسرائيلية، وهي على الأقل على مستوى رأيي الشخصي لا يجب تجاوزها، ولكن فلنرى من هو "أورن زئيف" على قاعدة البحث في خلفية كل فرد وجماعة على حدا، مع أنني أيضا ضد التصنيفات هذه، ومن وجهة نظري أنه "جمهور معسكر" ليس مجتمعا وليس شعبا.. ولكن؛ مرة أخرى.
هو صحفي إسرائيلي يرى بنفسه أنه رائد من رواد التغيير من خلال الصورة بالأساس، ويعتقد بأن الحل للقضية الفلسطينية هو تغيير بعض القوانين على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، ويحاول تجريد القضية الفلسطينية من طابعها السياسي من منطق أن النضال هو نضال لتحقيق العدالة الاجتماعية.. وكما ذهب للنبي صالح لإجراء مقابلة مع الأسيرة المحررة ناريمان التميمي، يذهب كذلك لجنوب تل أبيب لتسليط الضوء على الوضع الإنساني للمقيمين الأفارقة غير الشرعيين، مطالبا بإصلاح أوضاعهم وظروف معيشتهم وشروط وجودهم.. لا يختلف طرحه عن بعض ما جاء في وعد بلفور حول حقوق "الأقليات" المدنية دون السياسية.
ومن "زئيف" نفسه ننتقل لمقابلته، عنون الصحفي الإسرائيليين مقابلته بــاقتباس للأسيرة المحررة ناريمان، تقول فيه: "لسنا إرهابيين.. لسنا قتلة"، قبل الاقتباس كتب "زئيف" هذه رسالة التميمي للإسرائيليين "ابحثوا عن الحقيقة".. ويقتبس أيضا هذه الجملة ويضعها في افتتاحية التقرير: "من السهل أن تكون إرهابيًا أو قاتلًا، ولكن ليس من السهل أن تكون شخصًا يسعى إلى السلام".
والسؤال، من هم القتلة والإرهابيين؟! وبما أن السيدة ناريمان استخدمت مفردة "لسنا"، كان السؤال: "لسنا" أنا وعهد! أم "لسنا" كشعب فلسطيني! أم "لسنا" كظاهرة "مقاومة شعبية"!.. بكل الأحوال بين ما قصدت الأسيرة المحررة ناريمان وبين الطريقة التي طرح فيها هذا الصحفي هذه الكلمات لا أدري حجم المساحة، ولكن الترويج للمقاومة الشعبية لا يكون بأي حال على حساب أنواع أخرى من المقاومة، وخلق هذه التوصيفات والتصنيفات، لن يسعف أحدا.. لا أعتقد أن هناك مقاوما فلسطينيا إرهابيا، من يحمل البندقية أو الحجر أو القلم، كلٌ حسب رؤيته يقاوم ويناضل، وكلٌ ضمن إمكانياته، وكل أنواع المقاومة مباحة لمواجهة الظاهرة الاستعمارية.. وإذا كان هناك مساحة من المزاودات ــ مع أني لا أحبذها ــ، فإن صاحب الطريق الأصعب هو مَن مِن حقه أن يزاود على طرقنا في المقاومة، ولكنه لم يفعل..
الخطأ الكبير الذي أُوقعنا فيه جميعا بقصد، هو أننا أصبحنا نناقش حديث أم عهد كما لو انها قائدة سياسية وتمتلك رؤية سياسية، وأصبح هذا الصحفي الإسرائيلي ينقل من التميمي رسائل للإسرائيليين، ومن ثم أكتب أنا وغيري نقد.. إذا عدتم للمؤتمر الصحفي وأحصيتم عدد الصحفيين الأجانب ستجيبون على سر هذا الخطأ الكبير..
البعض اعتقد أن تغطية الإفراج عن أسير مزعج، من قال ذلك! نحن نعلم جيدا أن الإسرائيلي يسعى بكل الطرق لتقليص المشاركة في احتفالات الإفراج عن الأسرى وكذلك جنازات الشهداء، وكلنا قرأ شروط الإفراج عن "الشهدء أسرى الثلاجات الإسرائيلية" وأهداف هذه الشروط؛ من ضمن الشروط تحديد عدد المشاركين، والهدف المعلن أن لا تتحول جنازة الشهداء لفرصة لــ"التحريض" وإعادة المحيط المجتمعي لدائرة المشاركة الوطنية وحتى لا يتحول الشهيد لرمز.. هذا نعلمه جيدا، ولكن للمرة الألف في ما كتبت.. كثرة الاستدراك تعبير عن تعقيد كبير تحاول هذه الكلمات تفسيره..