بصحبة ابني سافرت في زيارة سريعة الى مدينة الأزياء والموضة (ميلانو) في إيطاليا..
تَصادَفَ وجود زميله انجلوز من الجامعة، فسألني هل تمانع ان نستضيف أنجلوز الليلة على العشاء ؟؟
أنجلوز هذا الشاب الوسيم نصفه زوربا ونصفه الاخر فيلامنكو، يتكلم خمس لغات، اليونانية من والده والإسبانية من والدته والإنجليزية من دراسته في جامعة باث في بريطانيا والفرنسية من إقامته في بروكسل مع والديه حيث يعملان في مقر الاتحاد الاوروبي، والالمانية من العمل في شركة السيارات بي إم دبليو (BMW) في ميونخ..
في سنته الثالثة ترك أنجلوز الدراسة الجامعية لمدة عام والتحق بشركة السيارات الألمانية في برنامج تدريب وعمل (placement year)..
هذا النظام تسمح به الجامعات الأوروبية وتعمل عليه مع المصانع والشركات الكبرى، وتشجع الطلاب للحصول عليه من اجل مساعدتهم في اكتشاف مواهبهم وفهم أفضل لخياراتهم في تحديد مستقبلهم..
في شركة السيارات طَرَحَ عليهم فكرة إطلاق تطبيق (App) شبابية، لاقت استحساناً من المسؤولين ومنحوه كل الدعم لتنفيذ الفكرة،
مع اعطائه الأولوية للعمل في الشركة بعد التخرج من الجامعة...
على مأدبة العشاء وتشعب الأحاديث لثلاث ساعات، اكتشفت الكثير من جوانب شخصية أنجلوز الذكية، التي صقلتها الفرص المتاحة في المجتمعات التي تؤمن بقدرات الشباب وحقهم في الحرية الفكرية والقرارات الشخصية طريقاً الى النجاح..
بالرغم من اعجابي في شخصية انجلوز، الا ان هنالك المئات من أبنائنا الطلبة ممن يجتازون امتحان الإنجاز كل عام اكثر ذكاءً وقدرة على النجاح والإبداع منه، ولا يزالون يبحثون عن مجرد فرصة لتحقيق الذات..
أنجلوز يختار المواد في امتحان البكالوريا الأوروبية ويختار ما سيدرس مستقبلاً وفي اَية جامعة وأي بلد..
لا يرهق نفسه بالدراسة ولا يُوَتر أهل البيت والأقارب والجيران..
له حرية التنقل كيف يشاء والسفر متى يشاء والإقامة حيث يشاء..
لا يحتاج الى تنسيق او تصاريح او عدم ممانعة او تصديق معاملات وشهادات حسن سلوك..
ما اريد قوله ان مسؤولية ومستقبل الأجيال ليست بطولات او قرار من مسؤول..
او سرعة وسلاسة إنجاز الامتحان والعلامات..
يحتاج طلابنا الى نظام تعليمي واجتماعي واداري سهل ورعاية جدية من اجل الانتقال الى المرحلة الجامعية بسلاسة، وتحفيزهم من اجل خلق مفاهيم ابداعية جديدة في الحياة العامة، العلمية والعملية..
يجب البدء بثقافة ونهضة تعليمية جديدة بعيدة عن سياسة التسول المالي والاعلامي..
فالقضية مسؤولية مشتركة بين مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات والجهات الرسمية..
فلا يقتصر دور القطاع الخاص على دعم صندوق الطالب والحالات الاجتماعية فهذه لها مؤسسات خاصة بها وينقصها عملية توعية..
القطاع الخاص بكل اطيافه ومؤسسات المجتمع المدني يجب ان يكونوا شركاء في تحديد احتياجات الوطن بعيداً عن الطابع التجاري للجامعات وبعيداً عن الشعارات الرسمية..
وما المبالغة في احتفالات النجاح والمفرقعات الا انعكاس لحالة احتقان طويلة استُهلِكت فيها الطاقات والاعصاب خوفاً من القادم المجهول..
نحن شعب لنا تاريخ من الإبداع، فيكفي العودة الى مقال الأستاذ الكبير طلال سلمان ( الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط)..للتأكيد اننا قادرون..
مبروك النجاح وكل عام وأبناؤنا الطلبة بالف خير