كتب: أحمد زكارنة
بدأت عدة منصات إعلامية بالترويج لما يقال: إنها بنود اتفاق التهدئة بين حماس و"إسرائيل"، ربما لقياس مدى التعاطي الشعبي معها، وربما لإتاحة الفرصة لكلا الطرفين لإجراء التعديلات اللازمة.
هذه البنود المشار إليها شملت، "مصير مسيرات العودة، والحصار، وتحسين ظروف المعيشة في القطاع، والأخطر ترسيم وضع فلسطيني جديد على الأرض في القطاع والضفة على حد سواء.
إن توقفنا عند المرحلة الأولى لهذه البنود سنجد ما يمكن وصفه باستكانة المقاومة حتى الشعبية منها، إذ تنص هذه المرحلة على إنهاء ما عرف باسم "مسيرات العودة" وما يتخللها من إطلاق للطائرات الورقية والبالونات الحارقة واختراق الحدود.
وبالطبع لن تقدم حركة حماس مثل هذه المرحلة دون عائد مقابل لها، وهو ما يتخلص في المرحلة الثانية والتي تأتي تحت عناوين "إنسانية" وتشمل: فتح معبري "كرم أبو سالم ومعبر رفح" بشكل دائم أو شبه دائم، والسماح بدخول البضائع كافة وزيادة التيار الكهربائي عبر الخطوط الإسرائيلية” بمساهمة مصرية تكمن في إنشاء محطة لتوليد الكهرباء في الأراضي المصرية. وهذا يعني بشكل أو بآخر ترسيخ واقع الأمر الجديد بوصف قطاع غزة دولة قائمة بذاتها.
أما المرحلة الثالثة والتي تشير إلى البدء في تنفيذ حزمة من المشاريع الاقتصادية بإشراف دولي تلعب مصر دوراً أساسياً فيه؛ هي ذروة الاتفاق الذي سيشمل تهدئة طويلة الأمد ما بين خمسة أعوام وعشرة أعوام، يتخللها إنهاء ملف تبادل الأسرى.
ولحل معضلة رواتب موظفي القطاع، يبدو أن هناك من أشار على الأطراف المتفاوضة وهي "حماس وإسرائيل" بوساطة مصرية وأممية، أن هذا الملف يمكن إيجاد حل له عبر خطوتين أساسيتين؛ الأولى تكمن في اقتطاع حصة واضحة من مقاصة الضرائب التي تجمعها إسرائيل لمصلحة السلطة، فيما تتجه الخطوة الثانية في إمكانية تلقي مساعدات دولية ترسل مباشرة للقطاع دون تدخل "السلطة" في هذا الأمر، فضلا عن الفرص التي ستوفرها المشاريع الأممية لتحسين ظروف الحياة في القطاع.
الخطورة في الأمر لا تكمن في كون طرفي الانقسام "فتح وحماس" لم يتوصلا لصيغة مصالحة تنهي هذا التشرذم الفلسطيني، الذي أنتج بكل المقاييس حالة وهن لم تمر بالصراع منذ النكبة وحتى اليوم، ولكن الخطورة الحقيقية فيما تعني هذه الترتيبات التي باتت شبه دولية بمشاركة عديد الأطراف العربية والأوروبية وحتى الفلسطينية ممثلة في حركة "حماس"، ما يعني أننا نعمل بشكل جماعي على تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي لم ولن يعد الحديث عنها ممكنا طيلة عقد أو عقدين من الزمن على أقل تقدير وفي سياق ما يشبه التغيير الجذري في آليات وعناوين النضال الفلسطيني.
وهذا يعني أيضا أن المنظومة الفلسطينية القائمة في الضفة الآن وتديرها السلطة، ستكون هدف تصفية وتفكيك مرحلي، ينقل وضع الضفة من وضع تسيطر عليه سلطة وطنية فلسطينية، إلى وضع أقرب ما يكون إلى حكم ذاتي تتوفر له أشكال بعينها من الاستقرار الاقتصادي عبر المنح الدولية، وهامش محدود من حرية الحركة إلى الداخل الفلسطيني عبر إجراءات أمنية معينة، والاتصال والتواصل مع الخارج عبر الأردن الشقيق فيما يمكن أن نطلق عليه أقل من كونفدرالية وأكثر قليلا من الحكم الذاتي.
السؤال هنا في ظل هشاشة الوضع الداخلي على جانبي الوطن "الضفة والقطاع" لن يكون في اتجاه ردود فعل المستوى السياسي على مثل هذا التوجه، وطرحه الواضح لما سيكون عليه مصير السلطة في الضفة في حال وقعت حماس اتفاقية أحادية في غزة.
ولكن سيكون رهن المستوى الجماهيري وما يمكن أن تكون سيناريوهات وردود أفعالها، خاصة وأن هناك شريحة واسعة من الجماهير الفلسطينية باتت تجاهر بشكل واضح وجلي أن الشرعية اليوم، هي شرعية الراتب. وهنا تكمن المأساة، وتكمن مفاعيل السؤال حول ملامح هذا الاتفاق بين حركة حماس و"إسرائيل" بين شعارات الإيمان وواقع الشرعية المشار إليها في الفقرة السابقة "شرعية الراتب؟