تتسارع وتيرة سن القوانين العنصرية في الكنيست الإسرائيلي التي تستهدف الفلسطينيين ومكانتهم السياسية والقانونية والتاريخية في وطنهم الأصلي فلسطين المحتلة عام 48 وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
هذه القوانين بجوهرها العنصري الاحتلالي وسرعة تمريرها في زمن قياسي في الكنيست بالقراءات الثلاث هي انعكاس لحكومة أقصى اليمين التي تسابق الزمن لتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وفرض الرؤيا الإسرائيلية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أرض الواقع بعيداً عن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وكل قانون من هذه القوانين يستدعي خوض معركة حقيقية لوقفه وإسقاطه فكيف إذا كانت هذه القوانين وعشرات أخرى غيرها يتم سنها بزمن قياسي وبالجملة.
الحكومة الإسرائيلية ومعها أحزاب اليمين ترى أن اللحظة السياسية مؤاتية تماماً لفعل كل ما تؤمن وتعتقد به امتداداً وتجسيداً لأفكار جابوتنسكي وأيدلوجيته الصهيونية. فالضعف العربي على أشده والانقسام الفلسطيني على حاله والإدارة الأمريكية في ظل عهد ترامب انتقلت من كونها حليفا استراتيجيا لدولة الاحتلال إلى شريك في العدوان على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، وبعض الأنظمة العربية التي اختل توازنها وانقلب تركيزها. ترى في دولة الاحتلال حليفاً وصديقاً لنظامها.
إن استمرار هذا الحال دون تغيير في موازين القوى يعني بالملموس أن صفقة القرن التي يلوّح ترامب بالإعلان عنها تنفذ تدريجياً على الأرض من قبل دولة الاحتلال وبدعم كامل من الإدارة الأمريكية.
إن الخطر الداهم على قضيتنا الوطنية، وحقوقنا التاريخية المشروعة يستدعي المواجهة الشاملة مع هذا الاحتلال بانخراط كل شعبنا في كافة أماكن تواجده في النضال اليومي الموحد ضد الاحتلال والتصدي لقانون القومية وصفقة القرن بطرق ووسائل سياسية وقانونية ودبلوماسية وجماهيرية تختلف عن السابق وتضرب على وتر المصالح الإسرائيلية والامريكية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يجابه هذه السياسة الإسرائيلية والقوانين العنصرية المتسارعة، منفرداً ومنقسماً، عليه وعلى قيادته وأحزابه، ولا سيما حركتي فتح وحماس تحشيد عناصر القوة عبر إنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية تعزيزاً لقواه الذاتية ليتحول إلى رقم صعب في مجابهة صفقة القرن وإفشالها. وشعبنا يمتلك من القوة والإرادة والطاقات الثورية الزاخرة ما يمكنه من مجابهة هذه المؤامرة الكبرى والتصدي لها، وانتفاضاته الكبرى وهباته الشعبية هي دليل ساطع على بسالته وقدرته إذا ما توفرت له الظروف المؤاتية، وتحقق الإجماع الوطني والوحدة الوطنية في الإرادة والقرار والبرنامج واتجاهات النضال على إلحاق الهزيمة بالاحتلال.
هذه القوة الفلسطينية الذاتية من شأنها أن تفعّل كل عناصر القوة الهائلة التي تمتلكها الشعوب العربية والإسلامية والتي ما زالت ترى في القضية الفلسطينية قضيتها الأولى بل وتعتقد أن وقوفها مع الشعب الفلسطيني في نضاله الباسل يعوضها عن الانتكاسات التي تعرضت لها ثوراتها الشعبية التي اندلعت عام 2011 وتُخرجها من ترددها وخوفها من أنظمتها التي تتربص بها حتى لا تعيد التجربة مرة أخرى.
القيادة الفلسطينية والأحزاب السياسية قاطبة رفضت صفقة القرن التي قدمت القدس هدية كعاصمة لدولة الاحتلال وقامت بنقل سفارتها إليها وأعلنت أن الاستيطان شرعي وألغت عن الاحتلال صفته كمحتل ورفضت حق اللاجئين بالعودة وأوقفت الدعم المالي للسلطة وقطعت المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
الرئيس أبو مازن هو الأخر رفض هذه الصفقة وبقوة، وقاطع الإدارة الأمريكية ووفودها للمنطقة، وأعلن أمام أكثر من محفل دولي، عن رفضه للدور المنفرد للإدارة الأمريكية لاحتكار ما سمي بعملية السلام.
بالرغم من هذه المواقف المعلنة والواضحة، فإن ما يجري على الأرض من قبل الاحتلال من استيطان وتهويد للقدس وتهجير قسري للمواطنين الفلسطينيين ومن تطاول على مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى، وعلى الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في وطنه. يضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا التاريخية وفي مقدمة الجميع الرئيس أبو مازن. في كيفية مواجهة هذه المؤامرة، وبأية أدوات، وأية استراتيجية.
والسؤال المطروح هل الرئيس أبو مازن سيواجه الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي بمفرده. وهل المواقف الصادرة عنه والتي أصبحت معروفة للعالم كله قادرة وحدها على إفشال المؤامرة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية في المنطقة؟
الجواب أن الشعب الفلطسيني هو الذي سيواجه هؤلاء وهو مستعد لذلك تماماً لأنه لا خيار أمامه سوى المواجهة، فكل شيء أصبح على المحك، وجودنا، حقوقنا، حقوق أسرانا وشهدائنا وجرحانا ولاجئينا. حقوقنا في القدس والمقدسات، كل شيء في خطر فقانون سرقة المخصصات والقومية وإعدام الأسرى وتهجير سكان الخان، كلها سياسة تسعى لتمرير صفقة القرن.
إدارة كلنتون في كامب ديفيد عام 2000 عندما حاولت تمرير مثل هذه الصفقة على الرئيس الراحل أبو عمار والشعب الفلسطيني. رفض الرئيس أبو عمار صفقة كلنتون كما رفض الرئيس أبو مازن صفقة ترامب، ولكن عندما عاد الرئيس أبو عمار لأرض الوطن اندلعت الانتفاضة الكبرى الثانية ودفع أبو عمار حياته ثمناً لتمسكه بحقوق شعبنا الوطنية. وعليه فالمطلوب العودة للشعب وترتيب البيت الداخلي وبناء الوحدة الوطنية وتعزيز الشراكة السياسية والقيادة الجماعية لتعزيز صموده والنهوض بقواه الذاتية، وليس بالضرورة إعلان الانتفاضة التي لا بدّ أنها قادمة لكنس الاحتلال ومؤامرة القرن.