متابعة الحدث
تتقاطع كافة التقارير الإعلامية الواردة سواء من القطاع أو إسرائيل وكذلك مصر، مع ما يسربه بعض المقربين من هنا وهناك حول اقتراب توقيع اتفاق أحادي بين حركة حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وينص على ضرورة التهدئة بين الجانبين، وانهاء ما عرف باسم "مسيرات العودة" ورفع الحصار، وتنفيذ حزمة من المشاريع الاقتصادية لإنعاش قطاع غزة.
غالبية هذه التقارير والمصادر تشير بشكل واضح إلى استثناء السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس من هذه الاتفاقيات، على خلفية عدم التوصل إلى اتفاق مصالحة يشرك السلطة في هذه المفاوضات المنفردة بين حماس وإسرائيل بواسطة عدد من دول الإقليم أهمها مصر وقطر، فضلا عن الأمم المتحدة.
حول انعكاسات مثل هذه الاتفاقيات طرحت الحدث سؤال: ما نتيجة توقيع أي اتفاق أحادي من قبل حماس مع اسرائيل على مستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس واللاجئين ووضع السلطة بالضفة الغربية بشكل خاص؟ فجاءت الردود كالتالي:
من جانبه أكد المحلل السياسي الدكتور أحمد جميل عزم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت، عضو مجلس إدارة مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية: أن هناك ثلاث زوايا فلسطينية، على الأقل، لرؤية المفاوضات، التي تجريها "حماس"؛ الأولى هي الأزمة الحياتية الإنسانية الشاملة في القطاع، لذلك من المفهوم أن يحاول شخص مثل ممثل الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف، أن يجعلها أولويته، وما يقوم به ليس بالضرورة جزءا من عملية سياسية كبرى بل من إدارة الأزمة الإنسانية الأمنية.
والزاوية الثانية، عملية ترتيب الشأن الفلسطيني وإنهاء الانقسام، والزاوية الثالثة، أزمة "حماس" الخاصة، والتي تسعى من خلالها لا للتخلص من أعباء الحكم فقط في القطاع، ولكن أيضاً أن تؤمّن حتى لجناحها العسكري وأجهزتها الأمنية، النظامية، دخلاً ونفقات.
ووضح عزم قائلا: إذا ما دخلت "حماس" اتفاقيات تحت تسمية "أمنية- إنسانية" ودون اتفاق مع منظمة التحرير، فهذا سيكون عامل تحدي وإضعاف إضافي لمنظمة التحرير، التي تمارس هي اضعاف ذاتها بتأخير اصلاحها وتفعيلها وعدم بذل الجهد الكافي لتمثيل أوسع للشرائح الشعبية فيها. مشيراً إلى أن جهود إدخال "حماس" في اتفاقيات دولية ليست جديدة، وهي متبادلة، بمعنى هناك قوى دولية وإقليمه تريد ذلك، وحماس تريد ذلك.
أبو غوش: أية صفقة منفردة هي حصاد إسرائيلي مربح...
أما الكاتب والمحلل الأستاذ نهاد ابو غوش مدير مركز المسار للدراسات، فيرى أن أية صفقة منفردة في هذا التوقيت خطيرة جدا لأنها نتيجة الاختلال الفادح في موازين القوى ولحظة ضعف فلسطينية وعربية، وتتويجا انفصاليا للانقسام. وهي تمثّل حصادا إسرائيليا مربحا لسنوات الحصار والتجويع والاعتداءات والحروب المتكررة.
وينوه أبو غوش إلى أن أخطر ما في الصفقة أنها قد تخرج غزة برمزيتها وسكانها ومقاومتها ولاجئيها من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتقود إلى تجزئة الشعب الفلسطيني من شعب موّحد التمثيل والحقوق الوطنية، إلى تجمعات سكانية متنافرة لكل تجمع منها همومه الحياتية والمطلبية الخاصة، فيصبح فتح معبر رفح وعدد ساعات الكهرباء أقصى ما يهم سكان غزة، وزيادة عدد التصاريح وخفض الحواجز هَمّ سكان الضفة، والهموم الحياتية وليس حق العودة هي ما يشغل مخيمات الشتات. في هذه الحالة لا أحد يملك صفة شرعية لطرح قضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات، وسنحتاج إلى مرحلة تاريخية جديدة وصعبة وأكثر تعقيدا لاستعادة وحدة شعبنا ووحدة حقوقه الوطنية.
عودة: أية اتفاقيات بهذا الشكل هي تفكيك وتصفية من أوسع الأبواب...
فيما ترى الإعلامية والكاتب نور عودة أن توقيع اتفاق أحادي بين اسرائيل وحركة حماس يعني التفكك والتصفية من أوسع أبوابها وتحقيق رؤية اليمين الاسرائيلي المتطرف وعرابيه في الولايات المتحدة الامريكية. وتوضح عودة، هذه الرؤية تتلخص في انكار الصفة القومية والسياسية للقضية الفلسطينية واختزالها بالشأن الإنساني وتقزيم المعالجة الدولية من كيفية تجسيد حق الشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال إلى معالجات إنسانية واقتصادية لتجمعات سكانية منفصلة من خلال الاتفاق مع مجموعات سياسية متناحرة.
وتختم نور مداخلتها بالقول: بهذه الطريقة، يتم إسقاط قضايا القدس واللاجئين والحقوق الوطنية والتمثيل السياسي على المستوى الدولي. فريق الشرق الأوسط في إدارة ترامب يعتبر تحقيق النصر الساحق لإسرائيل واجبا عقائديا ودينيا وان حصل الاتفاق الأحادي، يكون هذا الفريق قد وجد طرفا فلسطينيا يسهل له مهمته.
عزم: التقدم نحو الحقوق الفلسطينية، ليس بدخول منظومة التبعية...
وبالعودة للدكتور أحمد جميل عزم سنجده يفكك المشهد قائلا: "مع فهم إلحاح وخطورة الأزمة الإنسانية في غزة، فإنّ كل ما يجري هو مخاض إدخال "حماس" للمنظومة، وما يجري هو أقرب لإلحاح "حماس" أن تدخل المنظومة (منظومة أوسلو) ورفض المنظومة لذلك، إلا بشروط عديدة. ما تريده "حماس" أن تدخل المنظومة مع الاحتفاظ بدرجة من الاستقلال، وبجزء من الوجه وربما المضمون المقاوم، ولكن هذا محض خيال، في إطار دخول "منظومة" أوسلو، خصوصاً الاقتصادية.
ويضيف، لقد اضطرت "حماس" قبل أيام حتى لوقف إرسال طائرات ورقية مقاومة ضد الإسرائيليين، في إطار "وقف إطلاق نار" جديد، ولإعادة فتح المعابر التجارية. وهذا مثال على قواعد العمل الحالية، التي جربت "حماس" جزءا منها.
ويختم عزم مداخلته قائلا: "حل الدولتين مع عودة اللاجئين، ليس هو التنازل الأخطر، ولكن الأخطر أن يربط هذا الحل بأنابيب أكسجين، يرتبط بها الفلسطينيون، بقرارات ومنح أموال أجنبية، تتحكم في حياتهم ومشروعهم السياسي.
لن يجبر أحد القيادة الفلسطينية على توقيع التنازل النهائي، وموقف الرئيس محمود عباس، مثال على ذلك، ولن يوقف أحد روح المقاومة في الطفل الفلسطيني، ما دام واقع الاحتلال والشتات، موضوعين قائمين، ولكن التقدم نحو الحقوق الفلسطينية، ليس بدخول منظومة التبعية الاقتصادية والسياسية والأمنية".