يعد تعبير "إيجاد أرض مشتركة" من الاصطلاحات المجازية التي استخدمها كثيرا في حديثي مع الآخرين سواء مع الموظفين، أو الشركاء، أو حتى مع الأطفال في عائلتي، وقد يعود السبب في ذلك إلى ما تحمله هذه العبارة الاصطلاحية من معانٍ تُفسر الكثير على صعيد التواصل والعلاقات.
بالرغم من تمحور مسيرتي المهنية حول الشق الإداري؛ إلا أن ما اكتسبته من خبرة عملية طيلة مشواري المهني أكسبني ما يؤهلني لأقف على موضوع التواصل.
كلنا نشترك في مرادنا لبلوغ النجاح، ولكن كل شخص يتفرد في صناعة هذا النجاح وجزء من تفرده هو قناة التواصل التي يختارها في طريقه نحو تحقيق هدفه.
التواصل كلمة في سياق لا تملك أكثر من حروفها، ولكن هناك من يوظفها لصالحه وهناك من لا يتعمق في مفهومها. أمَّا بالنسبة لي فالتواصل هو تلك الملكة التي ميَّزت كل من يكتنزها أينما التقيت به!
على إشارة المرور أتى أحد الباعة الذي لم يكن بأسلوب تواصله كأحدهم على الإطلاق، بابتسامته تلك أبطل الفكرة الملاصقة لهذه الفئة من الباعة والمتمثلة باستجدائهم ما لا يستحقونه! أما هذا البائع فإن لَحِظ أنك لا ترغب في بضاعته، أهداك ابتسامة أخرى وذهب إلى المركبة التالية دونما تذمر وتمتمة قد تحوي ما تحويه من شتائم. وفي كل ذلك أرى في ذلك تمكن البائع من إيجاد أرض مشتركة تعزز التواصل بينه والسائق الذي عادة ما لا تكن لديه نية الشراء.
التواصل هو المركبة التي تُقل صاحبها إلى وجهته؛ لذا فمن يعمل في أي مجال، سواء في الإدارة أو التسويق على سبيل المثال، فإن رأس ماله يكمن في مقدرته على التواصل لبناء علاقات مهنية تدل على عُمق الفهم المتبادل الذي يمهد الوصول إلى بر أرض مشتركة. ففي علاقات العمل أحيانا ما أراقب من أعمل معهم سواء كانوا موظفين أم عملاء وأنظر عن كثب لطريقة تواصلهم مع بعضهم البعض، وأجد أن أقلهم تذمراً هو أكثرهم قدرة على التواصل بطريقة تتفرد في مضمونها بحنكة من شخصية لأخرى، ومقدرة على التناغم مع كل شخصية بعد فهمها ومعرفة أهدافها؛ ليشارك آرائه ومعلوماته بما ينسجم مع قناة الاستقبال لدى من يتوجه إليه.
من أشكال التواصل المميزة هي التواصل الصادق الذي لا يعرف الفشل بالرغم من صعوبته، إذ أن الصدق لا يتماشى مع الدبلوماسية، إلَّا أنني أجد في الشخص الذي لا يتردد بمشاركة مكنوناته دونما التفكير في تجميل المواقف شخصاً قادراً على الوصول إلى أرض مشتركة بغض النظر عن إيجابية أو سلبية النتيجة. ويرتبط التواصل ارتباطا وثيقا بالثقة، إذ لا يفاجئني اتصال أحدهم التقيته في نشاط أو أثناء تدريب لطلب نصيحة أو استشارة مهنية أو شخصية لشعوره بتوفر أرض مشتركة عززها التواصل.
ولعل ما نطلق عليه تمرين كسر الجليد في جلسات التدريب ينطبق تماما على التواصل وإيجاد الأرض المشتركة بين المدرب والمشاركين، والتي ما أن وُجِدَت حتى يتعاظم أثر التدريب، وما أن فُقِدَت أَفقدت المدرب فرصة جديده للعمل. المفارقة هنا أنني رأيت من المدربين من ليس لديه محتوى ولكن لبراعته في التواصل كان قادراً على إيهام المشاركين بوجود أرض مشتركة.
أنا لا أنكر مطلقا أهمية العلم والمعرفة في أي مجال أو تخصص، ولكن لا يسعني أن أتغاضى عن عظيم أهمية التواصل الفريد في إيصال ما نكتنزه من معارف وخبرات. لذا فإن الشخص الأكثر تميزا هو القادر على وضع إصبعه على قصوره في التواصل مع الآخرين، وقرر العمل على تطوير هذه المهارة التي لا تخذل صاحبها في التحليق إلى وجهته المنشودة.
المساحات التي يصنعها الفرد ليحافظ على علاقة صحية مع عائلته والآفاق الجديدة التي تتمخض عن توسعة العلاقات الودية مع زملائه والأقران ليست سوى أراضٍ مشتركة للحفاظ على تواصل نوعي وسليم وتحقيق أثر يبقى ويدوم.
الملاحظة والتحليل هي صفات وظفتها في المواقف اليومية لأفهم خفايا التواصل وأجد الخيوط التي تحافظ على علاقاتي بالآخرين لسنوات عديدة وهذا ما أشاركه اليوم من خلال هذا المقال لأسلط الضوء على أهمية إيجاد تلك الأرض المشتركة عبر التواصل المُتفرد.
*مؤسس ومدير عام شركة رتاج للحلول الإدارية في رام الله.