الحدث- رفح
ينثر بذور "العدس" بيديه التي امتلأت بالتجاعيد، ويتحرك بحذر وترقب شديدين داخل أرضه، ففي أي لحظة قد يسمع صوت طلقات النار وعليه حينها أن يستجمع قواه المنهكة ويهرب خارج أرضه زحفاً أو ركضاً قبل أن تصيبه رصاصات الموت التي يطلقها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأراضي القريبة من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وجنوب الاراضي المحتلة بشكل شبه يومي.
وعلى بعد أمتار قليلة تتوقف ست آليات عسكرية إسرائيلية موجهة فوهات أسلحتها الرشاشة تجاه المزارع الفلسطيني سالم قديح (82 عاما) الذي بات يخشى أن يكون الضحية التالية، جراء الاستهداف المتواصل من جيش الاحتلال الإسرائيلي للمزارعين، رغم توقيع اتفاق تهدئة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قبل ثلاثة أشهر.
ويبدأ المسن قديح العمل في أرضه الساعة التاسعة صباحا خشية على حياته من الإصابة برصاص الجيش الإسرائيلي الذي يستهدف قبل هذا التوقيت كافة المناطق الحدودية بشكل شبه يومي.
واضطر المزارع الفلسطيني إلى زارعة 4 دونمات (الدونم 1000 متر مربع) فقط من أرضه التي تبلغ مساحتها 21 دونما، نتيجة لوقوع باقي مساحة أرضه داخل المنطقة العازلة التي تفرضها إسرائيل بمساحة 300 متر على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة.
وقال قديح إنه يحرث كل يوم مساحة محدودة من أرضه حتى لا يمكث فيها فترة طويلة يمكن خلالها أن يكون هدفا للجنود الإسرائيليين.
وأضاف قديح "كل من يقترب من المنطقة العازلة التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعرض لإطلاق النار بشكل مباشر لذلك تركنا مساحات شاسعة من أراضينا بدون زراعة خشية على حياتنا".
وعلى بُعد عشرات الأمتار من المزارع العجوز، كان أحد أقاربه وزوجته يعملون في أرضهم المزروعة بالقمح والشعير.
وظهرت علامات الغضب على المزارع الفلسطيني محمد قديح (70 عاما) وزوجته خديجة (60 عاما) خلال عملهما في أرضهما، بعد أن قامت طائرات إسرائيلية مخصصة لرش المحاصيل الزراعية برش أرضهما بمبيدات أتلفت معظم محصولهما.
وقال قديح لمراسل "الأناضول": "تفاجأت قبل أيام بأن محصول القمح المزروع في أرضي كله تالف، بعد أن قامت طائرات إسرائيلية برشه بمبيدات قاتلة، لذلك اضطررت اليوم لإعادة زراعة الأرض بحبوب القمح والشعير".
وأضاف "لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بإتلاف محاصيلنا الزراعية فهو يُطلق النار علينا يوميا وبشكل مباشر".
وتشارك زوجة قديح الحديث بالقول : "بتنا نضطر لزراعة الحبوب لأنها تنبت على مياه الأمطار ولا تحتاج لريها بشكل متواصل ما يجنبنا مخاطر الحضور إلى الأرض والتعرض لرصاص جيش الاحتلال".
وتضيف "الجيبات العسكرية الإسرائيلية تجوب الحدود بشكل متواصل وإذا تأخرنا لساعة متأخرة من المساء داخل أرضنا تطلق علينا النار".
وأكد تقرير أعده، مؤخراً، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ، عدم قدرة المزارعين للوصول إلى مساحة شاسعة من أراضيهم الحدودية، حيث بلغت مساحة هذه المناطق 62,6 كيلو متر مربع، أي ما يعادل 35% من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، أو17% من مساحة القطاع ككل.
وأكد التقرير أن السلطات الإسرائيلية تستخدم الرصاص الحي في استهداف المدنيين في المناطق الحدودية.
ويقول مسؤولون فلسطينيون في غزة، إن قوات الجيش الإسرائيلي تطلق بشكل شبه يومي، نيران أسلحتها تجاه مراكب الصيادين، كما تستهدف الأراضي الزراعية على الحدود مع قطاع غزة، وهو ما يعتبره الفلسطينيون "خرقاً واضحاً" لاتفاق الهدنة.