الحدث ــ محمد بدر
برفقة أصدقائها وأهلها، وقفت الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور على مدخل سجن الجلمة، قبل أن يأخذها باب السجن إلى نفقه وحيدة، لتبدأ رحلة اعتقال أخرى بسبب قصيدة، تحب أن تسميها هي بــ"القصيدة الخطرة" بينما تصفها "إسرائيل" بـ"القصيدة الإرهابية".
على بعد أمتار من السجانين، قالت دارين: "إن السجن هو بداية الرحلة في الطريق النضالي الطويل.. من اختار طريق الوطن فإن السجن بالنسبة له مدرسة وبداية.. لن تردعنا هذه السجون"، وبدأت دارين بتوزيع القوة على القادمين لوداعها، ولم تتحدث كثيرا بلغة العواطف، وأجملت الموقف بعبارات تتقاطع مع بعضها البعض وتصلح أساسا لفلسفة مرتكزها أن تعتقل حرا، وأن تظل روحك حرة وأنت معتقل، وأن تعتقل معتقلك باعتقالك.
وخلال وداع دارين لمحبيها والمتضامنين معها، يتقدم سجان إسرائيلي، يطلب منها الإسراع في إنهاء هذه المواقف العاطفية، ويطلب من الحاضرين وقف التصوير، يريد بذلك أن يطفئ الموقف والعدسة التي تسجله، ولكن التصوير يستمر ليرصد خطوات دارين القوية الواثقة خلال دخولها لبوابة السجن وتلويحها بيديها للأهل والأحبة.. ثم تختفي ويعود الكل بدون دارين..
وكانت المحكمة الإسرائيلية قد حكمت في 31 تموز الماضي على الشاعرة دارين طاطور 32 عاما ابنة بلدة البعنة المحتلة، بالسجن لمدة خمسة أشهر بتهمة التحريض على مقاومة المحتل من خلال قصيدة كتبتها بالتزامن مع هبة القدس في عام 2015.
وتقول المحكمة الإسرائيلية إن دارين أنشدت قصيدتها وأضافت إليها مؤثرات صوتية وصورا للاحتجاجات ضد الانتهاكات الإسرائيلية بحق القدس، ولم تكن تهمة دارين فقط كلماتها، بل الموسيقى والصور، وعليك أن تتخيل أي قضاء يلاحق؛ الحرف، ونغمة الموسيقى، والصورة التي هو من صنعها.
وفي حديث خاص للحدث، قالت دارين: "أنا لست متفاجئة من هذا الحكم، ولم أتوقع أبدا أن تنصفني محكمة صممت لتكريس الظلم بحق الفلسطينيين، ليس هناك ما هو مفاجئ.. إن محاكمتي فاضحة لهذا الاحتلال الذي يلاحق الكلمة الفلسطينية.. هذا الاحتلال يلاحقنا ويلاحق هويتنا وروايتنا".
وأضافت دارين: "هل يظن الاحتلال أن هذه الأحكام يمكن لها أن تردعنا عن استخدام لغتنا من أجل قضيتنا.. هذه لغتي وهذه قضيتي وأنا على علاقة مع الكلمة والقضية ولا يستطيع هذا الاحتلال أن يقطع الطريق بيننا أو العلاقة"، وبابتسامة ساخرة قالت دارين: "ماذا يتوقع الاحتلال من هذا الشعب! أن يتخلى عن هويته وعن مشاعره! هذا حكم لن يجبرني على تغيير أي وجهة نظر لدي".
وعند سؤالنا لـدارين عن كيفية تقبلها لقرار الحكم، أكدت لنا أن هذا القرار كان متوقعا، وأضافت: "لقد كان القرار بالنسبة لي متوقعا وجميلا.. متوقعا لأنه صدر عن الاحتلال، وجميلا لأنني كنت في فترة عقوبة أسوأ من السجن، لقد اعتقلني الاحتلال في البداية لمدة 3 أشهر، ومن ثم أفرج عني بشروط حبس منزلي، وكانت شروطه تتضمن أن يتم إبعادي إلى مستوطنة كريات أونو وهي مستوطنة بالقرب من تل أبيب أنشأت لاستيعاب المهاجرين اليهود المتطرفين.. تخيل أنني اضطررت أن أعيش بين 31 ألف يهوديا صهيونيا متطرفا فترة 6 أشهر! تخيل أنني منعت من استخدام أي وسيلة تكنولوجية أو وسيلة تواصل اجتماعي وكنت منقطعة عن العالم في مستوطنة كلها صهاينة متطرفون وكانوا يعلمون أنني بينهم كعقوبة لأنني حرضت عليهم وعلى الإسرائيليين كما زعمت المحكمة! بالنسبة لي السجن أرحم وأفضل لأنه على الأقل أستطيع العيش بين الأسيرات، أما في كريات أونو فكنت ممنوعة من الخروج من المنزل ومحاطة بمتطرفين يهود".
وعن فترة حبسها في منزل في مستوطنة كريات أونو قالت دارين: "أجبروني على المكوث في هذا المكان، ومنعوا مني أي وسيلة تواصل، ولكنها كانت فرصة لكتابة رواية أسميتها (قصيدتي الخطرة) من خلالها كشفت تفاصيل الظلم الإسرائيلي بحقي وبحق شعبي، وسأنشرها باللغة العربية والإنجليزية بعد الإفراج عني لأنني ممنوعة من النشر الآن.. كما أنني كتبت ديوان شعر بعنوان (شاعرة من وراء القضبان) يجسد ظلم الاحتلال للفلسطيني ككل وأنا كحالة".
يجدر الإشارة إلى أن القانون الإسرائيلي يتيح لحملة الهوية الإسرائيلية المكوث فترة أيام خارج السجن بعد الحكم عليهم بالسجن؛ خاصة إذا كانوا في عقوبة السجن المنزلي، كما في حالة دارين.