الحدث ــ محمد بدر
أثار قانون القومية اليهودية حفيظة "الأقليات" في الداخل الفلسطيني المحتل، وأثار كذلك حفيظة بعض الجماعات السياسية المنضوية في مؤسسات وطبيعة النظام الإسرائيلي وحقيقته الكولونيالية؛ وخصوصا تلك التي باتت تعرف بــ"اليسار الإسرائيلي". وإذا كان القانون بالنسبة لكثيرين سببا رئيسيا للاحتجاج؛ فإن هناك من ذهب لأبعد من ذلك، بوصف القانون بأنه من إنتاج مؤسسات "الدولة" ويأتي ضمن سياق طويل من الممارسة القانونية المرتكزة على معايير استعمارية، وكما أن "إسرائيل" لا تحتاج لقانون حتى تشرعن عنصريتها؛ فإن القانون ليس الكل وإنما الجزء الأخير من المسلسل.
إن وصف القانون بالعنصري، عمليا، هو عزل للقانون عن بيئته، وعزل له عن سياق القوانين التي أقرها ما يسمى بالكنيست الإسرائيلي؛ وكان الهدف منها تشريع الانتهاكات التي تأتي في سياق استعماري وليس في سياق عنصري بحت، ومن المهم التفريق بين مفهوم العنصرية التي قد تنشأ بين أبناء الوطن الواحد والهوية الوطنية الواحدة، وبين القوانين الإسرائيلية التي تهدف لتكريس الوجود الاستعماري الإسرائيلي.
بالأمس، وقفت في "ميدان رابين" محاضرة في جامعة إسرائيلية اسمها "إيفا"، وهتفت في الجموع: "نريد العودة للصهيونية الحقيقية التي لا تمارس التمييز.. إن هذا القانون هو طعنة للصهيونية الحقيقية ونقل للصهيونية لأطر عنصرية"، وكأن الصهيونية التي تقصدها ليست هي الحركة العنصرية الميكافيلية التي جاءت وبنت "دولة" على أنقاض شعب وتحاول أن تظهر هذه المحاضرة العجوز على أنها متضامنة معه.
على الأرض؛ كان أصحاب الهوية الفلسطينية الواحدة مختلفون على رفع العلم الفلسطيني أو عدم رفعه، وظهر تسجيل مرئي لسيدة عربية تقول: "لا نريد للتجمع أن يخرب التعايش بيننا وبين اليهود.. نريد مساواة وفقط"، على أبعاد أمتار منها كان مجموعة من الشبان يحملون العلم الفلسطيني.. وفي زاوية بعيدة قريبة من "ميدان رابين" كان مزاج "اليسار الإسرائيلي" سيئا لأنه لم يتم احترام مشاعرهم من قبل بعض المشاركين من خلال رفع الفلسطيني والهتاف لفلسطين.
"تكييف شعاراتنا مع مشاعرهم.. مرفوض"
عضو المكتب السياسي في التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل المحتل نيفين أبو رحمون، قالت للحدث إن تكييف الشعارات والأهداف والمطالبات بحسب مشاعر ما بات يعرف باليسار الإسرائيلي أمر خاطئ، مشيرة إلى أن الشعب الفلسطيني في الداخل يمتلك هوية وشعارات وطنية يجب أن لا تخضع بأي حال لشروط البعض المؤمن بالصهيونية حتى وإن وصفوا أنفسهم بالمتضامنين.
وأكدت أبو رحمون أن مبرر المشاركة في "مظاهرة تل أبيب" من قبل التجمع واضح، ويرتكز إلى كون حشد الجماهير الفلسطينية يجب أن يؤسس لمطالب أخرى وأهداف أخرى، مشيرة إلى أن هذه المرحلة لها ما بعدها، وأن الجدل لن يبقى محصورا في طبيعة وحقيقة نظام القومية، إلى الجدل في طبيعة النظام الإسرائيلي الذي يحتل الأرض الفلسطينية، وبحسب تعبير أبو رحمون؛ فإن خصوصية المواطنة تضمن على الأقل البقاء للفلسطيني في الداخل المحتل، وهو بقاء يضمن له النضال من داخل الأرض المحتلة.
وأوضحت أبو رحمون أن الإشكالية التي حدثت على رفع العلم الفلسطيني، هي إشكالية خارجة عن السياق الحقيقي لفلسطينيي الداخل كنواة حقيقية للمشروع التحرري، مشيرة إلى أن الانتقال من دائرة معارضة القانون إلى دائرة الاعتراض على طبيعة النظام وفي النهاية المطالبة بحق تقرير المصير كفلسطينيين، هي مسألة تتحدد ضمن خطوات حقيقية وتوجيه مكثف للجماهير.
"فليخرجوني جثة بالجرافة أو الدبابة.. لا أريد المواطنة"
في المقابل، قال القيادي في حركة أبناء البلد لؤي الخطيب، إن أبناء حركته والجماهير الداعمة لها، لا ترى أن المواطنة شيئا جوهريا وأساسيا يجب الاحتجاج من أجله، لأن في ذلك تقزيم لطبيعة الصراع مع الاحتلال، مشددا على أن الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده في معركة تحرر ضد الاحتلال.
وشدد الخطيب في مقابلة مع الحدث على أن النضال الحقيقي هو النضال الذي يكون من خارج الأطر المؤسساتية لما يسمى بـ"الدولة الإسرائيلية"، مؤكدا على أن التجربة أثبتت فشل هذا الخيار؛ خاصة وأن الأحزاب العربية في الكنيست لم تتمكن في يوم من الأيام من تغيير أي قانون أو إبطاله.
وأوضح الخطيب أن الحركة بصدد تشكيل جبهة عريضة من أبناء الداخل المحتل، من أجل إيجاد بديل جدي وحقيقي لآليات النضال الموجود، مضيفا: "لا أرى أن المواطنة تحقق لي الوجود والبقاء من خلال امتيازاتها.. ما يحقق لنا البقاء هو تصميمنا على البقاء، وإن حاولوا إخراجنا، فليخرجونا جثثا وبالدبابات والجرافات".
وأكد الخطيب أن هذه الجماهير التي خرجت في "تل أبيب" لو أنها خرجت لوادي عارة وأغلقته لمدة أسبوع فقط، من خلال اعتصام بعشرات الآلاف، لحققت الكثير الكثير، ولألغت الكثير من القوانين، ولحققت الكثير من الإنجازات، على حد تعبيره.
"لم يكن هناك إشكالية حول العلم"
من جهته، نفى سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة منصور دهامشة وجود إشكالية على رفع العلم الفلسطيني خلال مظاهرة الأمس، ولكنه عاد وأكد أن اتفاقا جرى في لجنة المتابعة على تنظيم الفعالية وشعاراتها بشكل لا يؤثر على تضامن "الشعب اليهودي" مع مطالب المتظاهرين، وهو ما تم اختراقه من قبل بعض الأطراف، على حد وصفه.
وقال دهامشة في اتصال مع الحدث إن المهمة والهدف الذي يجب التطلع له هو إلغاء القانون من خلال تجنيد أغلبية "المواطنين في الدولة" لصالح المطالبة بإلغاءه، مؤكدا على أن المطلوب إلغاء القانون وليس تعديله أو تجميله، مشيرا إلى أن الفلسطيني هو المواطن الحقيقي، ووجوده على أرضه بحقوق كاملة هو أمر أساسي، ورغم نفي دهامشة لوجود إشكالية على رفع العلم؛ إلا أن الفيديو الذي أرفقناه بالتقرير يؤكد وجود هذه الإشكالية وهو ما أكدت عليه أبو رحمون في حديثها معنا.
"رابين سيتقلب في قبره"
حول مظاهرة الأمس، قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إن المظاهرة بمثابة دليل قاطع على أهمية هذا القانون في مواجهة التحديات التي تواجهها "دولة إسرائيل"، مشيرا إلى أن العديد من المتظاهرين هتفوا للعودة ولفلسطين، مؤكدا أنهم يريدون تحويل "إسرائيل" لفلسطين، وهذا ما لن يتحقق، على حد تعبيره.
وعلقت الوزيرة في حكومة الاحتلال ميري ريجيف على المظاهرة بالقول: "كيف يمكن أن يكون هناك تلويح بالأعلام الفلسطينية في إسرائيل.. رابين سيتقلب في قبره إذا ما رأى ما حدث في ميدانه".