الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"فشّة خلق" لِأحمَد الزّعتر! بقلم: مهند ذويب

2018-08-12 10:49:54 PM
مهند ذويب

في الحَقيقة لَم أكَن أمس في ميدان "رابين" في فلسطين المحتلّة حتّى أستطيع تقييم ما جَرى أو التّعليق عليه، كنتُ أشاهِد فلم السّفارة في العَمارة للمرّة العاشِرة بدون تواطؤ مسبَق مع الحَدث. نائِمٌ على أريكة واسِعة، وأفكّر في كَم التّناقض الذي يملؤنا حتّى النّخاع، فكرتُ كثيرًا في إعادَة مشاهدة مسلسَل ناجي عطالله للممثّل ذاته (الزّعيم)، ألغيت الفكرة، واكتفيت بسماع أغنية ناصيف زيتون الأخيرة، مفرغة الكَلمات، ثمّ سماع بعض الموسيقى ومديح الظّل العالي للمرّة الألف، وأذكر أنّني شاهدت برنامج فوق السّلطة، والسّليط الإخباري، وقرأت بعضَ الأخبار والمقالات.

لا يُهمّكم كلّ هذا، ولا يهمّني أيضًا؛ لأنّني غير متأكّد أنّه صحيح، ففي الآونة الأخيرة أصبحت تختلط الأمور عليّ بشكلٍ فظيع، الأمور الحياتيّة اليوميّة، أو التّفاصيل الوطنيّة البديهيّة، هَل هناك شَكل جديد للعلم الفلسطيني؟، لا أعلم، ولا أعرف لماذا أذكر القذافي كثيرًا: "سمّوها إسراطين"، فعلًا: "يحقّ للمرأة الانتخاب سواءً أكانت ذكرًا أم أنثى"، وسواءً أكانت فلسطينيّة أم إسرائيليّة، لا يُهمّ كلّ هذا، أكمِل: ماذا عَن الـ 35% في لواء جولاني؟، أو الجنديّ الدّرزيّ الذي مزّق تصريح زوجَة صديقي على المَعبر؛ لأنّها قالت لأحد الأطفال: "هذا جنديّ مغتصب لا تأخذ صورةً معه"، وأقسم بالآلهة القديمة والجديدة أن تمنع مئة عام مِن دخول الأراضي المحتلّة، لو شاهدها مرّة أخرى ماذا عساه يقول، أو يفعل، ما وجهة نَظر القائِمة العربيّة حيال الأمر، التّردد بين البقاء والبقاء أمر غاية في السّهولة، ولماذا ما زلنا نُطالب بحلّ الدّولتين، يمكنا تجاوز الأمر والرّجوع لفكرة الدّولة الواحدة، أو الحكم الذاتي، الأمر أصبح أسهل مِما نتصوّر.!

أنفض رأسي من هذه الغَرابة، ليسَ لي أن أتحدّث عن شيء لم أعشه، هكذا أقول لي، أشاهد بعضَ مقاطع الفيديو من مسيرة أمس، أبتعد أكثَر عن الشاشة حينَ يحضرني الناشِط طارق البكري الذي أقام حفلَ زفاف لابنة أحد مهجّري عكا، والتي جاءَت من كندا، و"على سيرَة كَندا" فالسّعوديّة التي لا تتدخّل في شؤون الدّول الأخرى سِوى "قطر، سوريا، العراق، اليمن، لبنان، البحرين، إيران" مستعدّة لإطلاق أغنية جديدة بفيديو كليب من قاعِدة أمريكيّة تمارس السّياحة في أرضها بعنوان: "علّم كندا" بتشديد اللام كي لا تختلط الأمور؛ لأنّ سيادة الدّول أمر غاية في الأهميّة، ولا أريد أن أتذكّر تغريدة الطائِرة على إنفوغراف السّعوديّة.

أذكر زيارة عكّا في العام الماضي، كانت تمتلئ برائِحة السّمك في مثل هذا الوَقت مِن العام، وللغرابة فإنّ الطّريقة الوحيدة للتخلص من رائِحة السّمك هي أن تهرع إلى البحر لتشتمّ هواءً أكثر صفاءً، يا إلهي!، أمّا درجات باب العامود فقد مضى أيضًا عام على آخر مرّة جلست فيها متأملًا مشهد المدينة بعدَ حادثة البوابات، تمنيت الجلوس أكثر لكنّ الذّكريات كانَت تشدّني نَحو الابتعاد، تمنيت أن أكونَ أمس بينَ المشاركين، لا لشيء إنّما لأكونَ أكثر فهمًا لما يجري، أكثر قدرةً على كتابة هذا الواقع الفنتازيّ، أكثر صدقًا؛ فأنا لم أشاهد شيئًا أمس، كنتُ فقط أتحسّس بقايا مشاعري، وأشدّ بدني من الانجرار إلى قشعريرة غريبة في حضرة الطّفل معتصم ابن الأسيرة إسراء جعابيص عندما قال: "اشتقتلك يمّا، رَوّحي" في مهرجان النّبي صالح، وفي حَضرة أمّ الأسير كريم يونِس مِن المثلّث، أقدم أسير فلسطيني تشهد تجاعيدُ كفّ أمّه الطاهِرة على سنواتِ عذابه، فمع كلّ عام ينبتُ خطّ جديد من جبينها حتّى يدها اليُسرى، فهَل تعزّي الخطوط التي تكوّن الصّور والأعلام ودساتير الأحزاب فاقدًا عمّا فقد؟

في سياق آخَر مِن فشّة الخلق لا أعلم تحديدًا ماذا يَعني وَسم (هاشتاغ): #يا_بنيّ_اركب_معنا، المستخدَم في أغلب إعلانات الأحزاب (الإسلاميّة)، وكلّيات الدّعوة، ومراكِز تحفيظ القرآن الكَريم، والحَملات الانتخابيّة للإسلام السّياسي، وكل ما يتعلّق بمظاهِر التّدين، ولا أعلم هَل اجتزاء هذه الآية يعني أنّ التّكملة معلومَة بالضّرورة: "يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ"، أم هو اجتزاء مبرّر، فلهم الحقّ المُطلق في اختيار الآيات، وإخراجِها من سياقاتِها إلى سياق يخدِم فكرتهم.

منذُ مدّة جيّدة من الزّمن ونحنُ أمام خطاب إسلامي تَكفيري، سواءٌ أكانَ ظاهرًا أو مبطنًا، وهذا الخطاب تُرجمَ إلى أفعال، ومجازِر، وصراعات داخليّة في العالَم الإسلامي، لا أعرف فعلًا ما صحّة حديث: "تَفترق أمّتي على بضع وسبعونَ فرقة كلّها في النار إلّا واحِدة"، فمِن العلماء مَن استحسَنه ومنهم مَن ضعّفه، ولا أعرف أيضًا كَم من الوَقت سنحتاج للتّصالح مع أنفسنا حَول هذا.

قبلَ أيام تحدّث أحد (شيوخ) السّعوديّة عَن عدم جواز التّعريض بوليّ الأمر، أو الدّعاء عليه ولو كانَ يشرب ويزني علنًا على التّلفاز أمام الشّعب، وقبله دعا السّديس لوليّ القوّة على الأرض ترامب، ومرورًا بحزب النّور المَصري، والإخوان، والسّلفيّة، وفراخ عَمر خالد، وفتاوى علي جمعة، وتحالف القرضاوي الضّمني مع الناتو في ليبيا، وكلّ التّطرف الديني اليميني للأديان قاطِبة، فهل مِن المعقول أنّ فكرة الأخلاق والتّعامل غابَت إلى هذا الحَد، هذه الأفكار المستمدّة من الدين ذاته أصلًا، من البغي التي سَقت كلبًا فدخلت الجنّة، ومن الحضّ على المَكارم، وما وضع الرّفق واللّين في شيء إلّا زانَه، وخياركم أحسنكم أخلاقًا، وأثقل شيء في الميزان حسن الخُلق، كيف نَكون بهذه الانتقائيّة ونتجاوز كلّ هذا!، "شَيخي يفكّر إذن أنا موجود" هكذا قال أحد الأصدقاء عَن الكوجيتو الجَديد.

أمّا عَن اليَوم العالَمي للشّباب والذي يتزامَن مع ذكرى مذبَحة تلّ الزّعتر، فأحمَد الزّعتر أصيبَ بالبَطالة هو و 55% مِن أقرانِه، وأحمد الزّعتر الشاب يا سادَة يعيش تحتَ خطّ الفقر، وأحمد الزّعتر وأقرانه يستمعون إلى نصائِح مهترئة يوميّة ولا يشكّلون 1% من مراكز صُنع القرار في فلسطين، " هذه الكِتابة.. لأحمد المنسيّ بين فراشتين"، أو "مطرقتي حياة"، وأحمد الزّعتر يكتب هذا، ويقرأ هذا، ويمزّق قصيدة درويش الشّهيرة بلا سببٍ واضِح!