التحذير من تغولها ومشاركتها في الحكم وكأنها حزب سياسي
حالة احتراب نعيشها تقوم على الترهيب والعزل والإقصاء، وعدم تفعيل الأدوات القانونية والديمقراطية لتداول السلطة وتفعيل المؤسسات
حاجة مُلحّة لوجود عقد اجتماعي جديد بين الشعب والأجهزة الأمنية، ويجب التوقف عن معالجة الأمن في إطار بوليسي
خاص الحدث
حمل قانونيون وحقوقيون وممثلو تسع مؤسسات مجتمع مدني مسؤولية ما يجري من تداخل في الصلاحيات وحالات قمع الأجهزة الأمنية للحريات في التجمع والاعتصام والتظاهر وإبداء الرأي للقيادة السياسية، لذا نجدهم يطالبون بتحديد دور ومهام رجل الأمن بشكل واضح وعدم تركه للصراعات السياسية الداخلية، وبضرورة تفعيل الرقابة المجتمعية على المؤسسة الأمنية، وبضرورة ترميم النظام السياسي الفلسطيني بإجراء انتخابات عامة لانتخاب مجلس تشريعي قادر على صياغة القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية بأجهزتها المختلفة، والحد من هيمنتها على السلطات الأخرى وخاصة السلطة القضائية، وإعطاء دور أكبر للمؤسسات المدنية الفلسطينية للرقابة على أجهزة الأمن وخاصة المجلس التشريعي ومجلس الوزراء وديوان الرقابة المالية والإدارية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضرورة تكاثف جهود مؤسسات المجتمع المدني مع بعضها لتشكل قوة ضاغطة من أجل الرقابة على السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية.
وحذر هؤلاء القانونيون والحقوقيون من حالة تغول الأجهزة الأمنية ومن مشاركتها في الحكم وكأنها حزب سياسي وتزج بنفسها في الصراع الداخلي، ما يجعل رجل الأمن يبحث عن مصالحه الخاصة، وهو ما دفعهم للمطالبة بتعزيز قدرات وحدات الرقابة الداخلية في الأجهزة الأمنية من خلال توفير التدريب لطواقم الرقابة وتطوير الأنظمة والإجراءات التي تحكم عملها، وتطوير ديوان الرقابة المالية والإدارية ورفع مكانته ومنحه الاستقلال الإداري والمالي، وإنجاز القوانين الناظمة للمؤسسة الأمنية، والعمل على إنجاز قانون الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، ومنحها صلاحيات أكبر لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان؛ حتى يتمكن المجتمع المدني من القيام بواجبه الرقابي بطريقة أكثر فاعلية.
وأكدوا على الحاجة المُلحّة لوجود عقد اجتماعي جديد بين الشعب والأجهزة الأمنية، متطلعين صوب مؤسسة أمنية فلسطينية ديمقراطية حامية للدستور والحقوق والحريات والاستقرار والأمن والمؤسسات الدستورية، تحترم بدورها حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وليست درعاً حامياً للنظام السياسي أو أداة للحزب الحاكم.
مسؤولية ما يجري تعود للقيادة السياسية
وحذر د. عزمي الشعيبي - مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لمكافحة الفساد، من مخاطر حالة التغول على الأجهزة الأمنية ومشاركتها في الحكم وكأنها حزب سياسي، عندما قال على هامش المنتدى المدني لتعزيز الحكم الرشيد في القطاع الأمني الذي عقد مؤخرا في رام الله: (إن مسؤولية ما يجري تعود للقيادة السياسية؛ لأنه يجب تحديد دور ومهام رجل الأمن بشكل واضح وعدم تركه للصراعات السياسية الداخلية، وإن قام بتنفيذ مهام متفق عليها يكون رجل الأمن موضع احترام وتعاون ومشاركة المجتمع).
ولكن إن بقيت ضبابية الوضع الحالي وعدم وضوحه؛ فإن المؤسسات الأمنية تبقى وكأنها جزء من النظام السياسي، وهو ما أكده الشعيبي بقوله: (إذا بقي الوضع الحالي بعدم وضوح دور المؤسسة الأمنية الناتج عن مشاركتها في الحكم وكأنها حزب جديد اسمه الأجهزة الأمنية، وكل جهاز له حزبه الخاص في هذه الحالة يصبح الأمن جزءا من الصراع الداخلي في فلسطين، ويصبح كل رجل أمن يبحث عن مصالحه الخاصة قبل بحثه عن المصلحة العامة).
وطالب الشعيبي ببلورة رؤية فلسطينية مجتمعية لما يريده المواطن من الأمن، وقال: (يتوجب على المجتمع الفلسطيني إيجاد صيغة متوازنة إزاء الدور الحقيقي المطلوب من الأجهزة الأمنية، وهو التزامها بمؤشر البوصلة نحو إنهاء الاحتلال وتعزيز حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء مؤسسات دولته؛ فالأجهزة الأمنية هي أداة لتنفيذ مهام مكلفة بها، وهي خاضعة للرقابة الداخلية والخارجية، وتخضع بدورها للمساءلة وفق القانون، كما يتوجب على الأجهزة الأمنية تقديم خدماتها بمساواة ودون تمييز ومحاباة، وأن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية، والمحافظة على هيبة الدولة وسيادة القانون، والمساهمة دون التدخل في عمل الأجهزة القضائية والتنفيذية).
إعادة توازن العلاقة ما بين السلطات الثلاث
الواقع الذي تعيشه وتحياه الأجهزة الأمنية دفع عصام العاروري - مدير مركز القدس للمساعدة القانونية، وعضو المنتدى المدني لتعزيز الحكم الرشيد في قطاع الأمن؛ للمطالبة بإعادة التوازن في العلاقة بين السلطات الثلاث، وقال: (نأسف لاننا نعيش مرحلة تغول السلطة التنفيذية على كافة السلطات في المجتمع مما يترك المجتمع بدون حماية؛ فالسلطة التنفيذية تهيمن على التشريعي وتتدخل في القضاء، وبالتالي لا يمكن تعزيز المساءلة في نظام الأمن دون أن تكون هذه المساءلة في المجتمع ودون تفعيل دور المجلس التشريعي الذي تعتبر الرقابة والمساءلة من أهم أدواره، ودون أن يكون هناك جهاز قضائي فاعل).
ويرى العاروري، أن التحديات التي تعصف بأجهزة الأمن الفلسطينية وتقوّض دوره، موجها السبابة نحو الاحتلال الذي يمس بهيبة الأمن ومكانته وحتى احترامه لدى المجتمع؛ فهو يحاصر السلطة الوطنية بالدور الأمني وفق التصور الإسرائيلي، الذي يستبيح الأرض، والشجر والحجر، وينتهك حقوق الفلسطينيين بشكل يومي. فيما يتمحور التحدي الثاني، بحركة الإحالة للتقاعد المبكر، وصبغة العدائية التي أعطاها المتنفذون للحراك المحتج بالرغم من الموقف المأزوم والسلوك غير المفهوم، ناهيك عن الاتهامات الجاهزة التي تصاحب كل مخالف في الرأي والاجتهاد وإلصاق نعوت "كأصحاب الأجندات الأجنبية"، أو وكلاء، مدسوسين أو مرتزقة، تماما كما حدث في التجمع السلمي إزاء رفع العقوبات عن غزة).
وبُعَيْدَ قراءاته للمرحلة الحالية يقول العاروري: (إننا نعيش حالة الاحتراب الذي يقوم على الترهيب والعزل والإقصاء، وعدم تفعيل الأدوات القانونية والديمقراطية لتداول السلطة وتفعيل المؤسسات وضمان الانتقال السلمي في حالات الطوارئ).
ودعا العاروري، إلى إعادة بناء نظام المساءلة الداخلية عن الانتهاكات والخروج على القانون والانطلاق في العلاقة بالجمهور من مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والكرامة، إلى جانب إصلاح وتطوير القضاء ليأخذ دوره الحيادي والفاعل في ضمان السلم الأهلي. (فالأمن الاجتماعي يبنى على الأمن الاقتصادي والسلم الأهلي حصيلة لكليهما، ويجب التوقف عن معالجة الأمن في إطار بوليسي؛ فمواجهة مؤامرة القرن تستوجب توحيد المجتمع وتفعيل أفضل طاقاته على قاعدة برنامج وطني سياسي اقتصادي اجتماعي، يقوم على مبدأ المشاركة وتعزيز الصمود وتقاسم الأعباء).
بينما يتطلع د. عمر رحال - مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية شمس، ومنسق المنتدى المدني لتعزيز الحكم الرشيد في قطاع الأمن إلى أن يؤسس الحوار بين المؤسسة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني لمرحلة جديدة، وهو ما جعله يقول: (اليوم الأمن على المحك، لأن العقيدة الأمنية الفلسطينية والأمنية ملتبسة، نحن نحتاج إلى تحديد هذه العقيدة مثل حاجتنا إلى خدمات تقدم على أساس النزاهة والشفافية والمساواة لكل المواطنين).
ويطالب د. رحال، الأمن أن يحمي المواطنين أان يحترم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وقال: (هذا الانفتاح على المؤسسة الأمنية يمكن أن يؤسس إلى شراكة وإلى عمل قادم من خلال حقنا كمؤسسات ومواطنين في الوصول إلى المعلومات، وبالتالي المؤسسة الأمنية المطلوب منها أن تكون منفتحة أكثر على المجتمع المدني وأن تتحاور معه وتستمع لملاحظاته).
وشدد د. رحال، على ضرورة المساهمة في تطوير وضمان تنفيذ الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لقطاع الأمن في فلسطين، وإتاحة المجال لمؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في بلورة السياسات العامة المتعلقة بعمل المؤسسة الأمنية وعلاقتها مع القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير آليات التواصل والانفتاح بين المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية، وتعزيز مبدأ حق المواطن في الوصول إلى المعلومات الدقيقة ذات العلاقة بما تقوم به المؤسسة الأمنية ضمن القانون، وتفعيل الرقابة المجتمعية على المؤسسة والأجهزة الأمنية والتأكد من فعالية نظم المساءلة الخاصة بها.
ويؤكد رحال على حق المواطن الفلسطيني بأن ينعم بالأمن والأمان والطمأنينة، وقال: (توفير الأمن ليس منّة من السلطة التنفيذية أو من النظام السياسي؛ بل هو متطلب أساسي ولَبِنة لا بد من تحقيقها بكل حيادية ونزاهة وشفافية، لينطلق منها المواطن نحو الازدهار والنمو في مختلف المجالات).
وأعطى رحال، واقع الحال إطارا نظريا وصفيا للحالة التي نعيشها، منذ تبلور الأجهزة الأمنية الفلسطينية المتعددة وقياداتها في إطار تحّول تدريجي من مؤسسة الثورة والشرعية الثورية إلى مؤسسات السلطة (الشرعية الدستورية)، على ضوء اتفاقات أوسلو وبشكل محّدد؛ ما يعني أن المؤسسة الأمنية الفلسطينية لم تشكل في سياق طبيعي، كما أنه لا يوجد إجماع بين الفلسطينيين على وظائفها ومهامها، كما أن عقيدتها الأمنية والعسكرية ما زالت ملتبسة ومثار جدل مجتمعي.
الظروف الاحتلالية الموجودة لا تساعد وجود نظام سياسي ومحوكم
ولكن د. محمد المصري - مدير المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية، يعتبر طبيعة الوضع الفلسطيني شائك ومعقد، ويقول: (إن طبيعة الظروف الاحتلالية الموجودة لا تساعد كثيرا وجود نظام سياسي ومحوكم؛ فالنظام السياسي الفلسطيني لم يتشكل بعد بشكل إيجابي أو بمعنى يأخذ دوره على الواقع، والانقسام السياسي ساهم في هذه المسألة، ولكن يمكن العمل سوية مع قطاع الأمن والمؤسسة الأمنية والمجتمع المدني على تطوير أداء المؤسسة الأمنية إلى شكل أفضل).
وشدد د. المصري، على أهمية وجود رؤية سياسية شاملة وتوافق وطني، ويرى أن تداعي مؤسسات المجتمع المدني لعقد مؤتمرها الخاص بحوكمة أجهزة الأمن؛ هو بحد ذاته يقدم دعما وإسنادا لهذه الأجهزة للاستفادة من الخبرات والتجارب الرائدة، وليس للمحاسبة والمساءلة من منطلق الشراكة المجتمعية كل حسب موقعه، وبغرض تطوير قدرات الأجهزة الأمنية.
ترميم النظام السياسي الفلسطيني
وكي تكون الرقابة على أجهزة الأمن أكثر فاعلية؛ فإن الباحث علاء لحلوح، يرى وجوب ترميم النظام السياسي الفلسطيني بإجراء انتخابات عامة لانتخاب مجلس تشريعي قادر على صياغة القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية بأجهزتها المختلفة، والحد من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وخاصة القضائية، ما ينعكس على دورها في الرقابة على التنفيذية وخاصة الأجهزة الأمنية، وإعطاء دور أكبر للمؤسسات المدنية للرقابة على أجهزة الأمن وخاصة المجلس التشريعي ومجلس الوزراء وديوان الرقابة المالية والإدارية والهيئة المستقلة لحقوق المواطن، وضرورة تكاتف جهود مؤسسات المجتمع المدني مع بعضها لتشكل قوة ضاغطة من أجل الرقابة على السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية.
التوقف عن الردود النمطية على شكاوى المواطنين للأجهزة الأمنية
في حين طالب الباحث د. عبد الرحيم طه، بتضمين القوانين الناظمة للأجهزة الأمنية؛ نصوصا تمنحها صلاحية النظر في الشكاوى التي تقدم إليها، وتوزيع وحدات الشكاوى في الأجهزة الأمنية بين مقارها الرئيسية والفرعية في المحافظات، وخاصة تلك الأجهزة ذات الاحتكاك اليومي والمباشر مع المواطنين، وإخضاع كافة وحدات الشكاوى في الأجهزة الأمنية للتبعية المباشرة لرئيس الجهاز لمنحها المزيد من الصلاحيات لإنجاز المهام الموكلة إليها بفاعلية، وإنهاء الردود النمطية على الشكاوى المقدمة للأجهزة الأمنية من المواطنين والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان؛ بحيث تكون واضحة ومسببة تسبيبا دقيقا غير فضفاض.
تخلي الجهات الرقابية المدنية الخارجية عن دورها في الرقابة على السلطة التنفيذية وأجهزتها
فيما انتقد بشدة الدكتور جهاد الكسواني - أستاذ مساعد في كلية الحقوق في جامعة القدس، قصور الجهات الرقابية المدنية الخارجية من الرقابة على أداء الأجهزة الأمنية، متسائلا عن إشراف المجتمع المدني بمؤسساته وهيئاته وأطره ونقاباته وإشراك المدنيين في الحكم وفي الرقابة وفي اتخاذ القرار، وقال: (لا ألوم الأجهزة الأمنية؛ وإنما ألوم المتقاعسين من نقابات المحامين والعمال عن أخذ دورهم في المجتمع وفي الرقابة على دور الأجهزة الأمنية، إضافة إلى لوم الأشخاص الذين تراجعوا عن أخذ أدوارهم).
ويرفض د. الكسواني القول: (إن السلطة التنفيذية تتغول على السلطة القضائية، إنما السلطة القضائية لم تأخذ دورها في تطبيق وتنفيذ الأحكام، فعدم تنفيذ الأحكام جريمة لا تسقط بموجب إنسان فهي جريمة لا تخضع للتقادم، فلماذا لا يراعي القضاء تنفيذ أحكامه؟، فأفضل رقابة احترام القانون الذي عندما ينتهي يبدأ الطغيان).
غياب آليات متابعة الشكاوى في الأجهزة الأمنية
أما الحقوقي موسى أبو دهيم - مدير دائرة التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان؛ فأكد على عدم وضوح علاقة وحدات الشكاوى مع الدوائر الرقابية الأخرى في الجهات الرقابية المدنية الداخلية، فلا توجد آلية محددة في كيفية توزيع ومتابعة الشكاوى وآليات التواصل بشأنها، وكان من الأهمية البحث في مدى فاعلية وحدات الشكاوى بعد العمل منذ سنوات طويلة.
وقال أبو ادهيم: (على الرغم من التحسن في المساءلة والمحاسبة في الأجهزة الأمنية؛ إلا أن هناك بعض الحالات التي لم تتم فيها المساءلة والمحاسبة، وبالذات في جهاز الشرطة والتي يجب النظر لهذه القضية من قبل هيئة القضاء العسكري والنيابة العسكرية).