شهدت غزة تصعيدا خطيرا في الأيام الأخيرة حمل رسائل قوية، وأعاد للذاكرة شبح حرب 2014 وهولها، وأيضا أعاد للذاكرة همجية "العدو" بارتكابه جرائم أقل ما يقال فيها إنها جرائم ضد الإنسانية.
بدأ هذا التصعيد بقيام جيش الاحتلال باغتيال عنصرين من كتائب القسام أثناء تخريج دورة للقوات البحرية، وقد جاء هذا الاغتيال بتوقيت يثير الشك حول نية "العدو" التوصل لتهدئة مع غزة؛ حيث حدث هذا الاغتيال أثناء تواجد وفد حركة حماس القادم من مصر في محاولة للتوصل لتهدئة وحل الأزمة الخانقة في قطاع غزة، وقد برر "العدو" هذا الاغتيال أنه عن طريق الخطأ وأنه خلل في التحليل، وهذا التبرير سرعان من تبين أنه كاذب؛ حيث قام "العدو" بنشر تصوير جوي للاغتيال وأثبت "العدو" أنه متابع وبشكل دقيق لسير تخريج الدورة، وأن الطلقات النارية التي خرجت كانت داخل الموقع ولم تخرج تجاه "العدو"، وأيضا صرحت مجموعة من مواقع الإعلام التابعة "للعدو" أن هذا الاغتيال بمثابة رسائل تهديد واضحة لوفد حماس للتأثير على قرارهم ودفعهم للسير نحو الموافقة على تهدئة تلبي شروط الاحتلال.
وسرعان ما جاء رد المقاومة فور مغادرة وفد حماس إلى القاهرة، حيث أثبتت المقاومة إصرارها على رد النار بالنار، وقد صعد "العدو" من هجماته لتصل إلى قصف مبنى المسحال الثقافي، وفي هذا رسائل مهمة ومن أبرزها: أنها تعيد للذاكرة سياسة هدم الأبراج التي انتهت بها الحرب على غزة عام 2014 في محاولة لإرهاب المواطنين، وأيضا يمثل هذا المبنى أهمية بالنسبة للمصريين؛ حيث يقوم بتقديم الخدمات لآلاف النساء تحت رعاية الدولة المصرية، ويعتبر أيضا بمثابة تجمع رسمي للجالية المصرية في قطاع غزة. وبالمقابل أطلقت المقاومة صواريخها لتصل لمسافات لم تصل لها صواريخ المقاومة منذ انتهاء حرب 2014 مثل مناطق النقب الغربي وبئر السبع، حيث تعتبر أيضا رسالة موجهة "للعدو" على جاهزية المقاومة لضرب مناطق أبعد وأكثر تأثيرا داخل العمق "الصهيوني".
بين رشقات الرصاص تدور جولة من التفاوض بين "العدو" والمقاومة برعاية مصرية، وقد قطعت أشواطا كبيرة ووصلت لمشارف إتمامها، ورغم أن هناك تحفظات لحركة حماس على الورقة التي قدمت بما يتعلق بكيفية وآلية إتمام الهدنة والضمانات؛ لعدم التراجع عن أي بند من الاتفاق وأيضا بعض التحفظات لحركة فتح والتي ستتضح قريبا، بالإضافة لتحفظات "العدو" على بعض بنود الورقة.
هذه الأجواء لم تكن في أي من الجولات السابقة لمحاولات التهدئة في غزة، إلا أنها تبدو هذه المرة الأقرب إلى التنفيذ، حيث يتضح من تصريحات قادة "العدو" أنهم مهتمون بإنهاء الأزمة التي تخلقها الاحتجاجات الغزية على الحدود، وأيضا رغبة كل الأطراف بما فيها المقاومة ومصر في إيجاد حل للازمة الإنسانية الكبيرة في غزة.
نحن نقف اليوم على أبواب مرحلة جديدة من تاريخ ومقاومة الغزيين والتي تضاف إلى سجل انتصاراتهم ومعاركهم مع الأعداء منذ ما يزيد على ألفي عام.