يقول لنا موت زياد أبو عين، مسؤول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، على أرض بلدة ترمسعيا المصادرة وبايدي جنود الإحتلال الإسرائيلي ، ما هو أبعد من ما نسمع ونرى، وما هو أكبر من الغضب والغليان الذي في داخلنا. إنه ذلك العجز الذي يستبد بنا، نحن الفلسطينيين، ولا نعرف إلى التخلص منه سبيلا.
ومقتل أبو عين، أو استشهاده حتى لا يغضب أحد، لا يختلف عن إحراق الفتى محمد ابو خضير حيا في حزيران الماضي، ولا عن مقتل القاضي الأردني الفلسطيني رائد زعيتر قبل ذلك على معبر الكرامة، ووفاة الأسير حسن الترابي وكل الآخرين الذين قضوا بفعل الإحتلال، أو أولئك في الإنتظار.
ثمة غياب لصورة نعيشها، نتنفسها، تغذي أوجاعنا، وبالرغم من ذلك نأخذها معنا في صحونا ومنامنا، وفي كل مناسباتنا، جنازة كانت، أم اجتماع قيادة، أو إحتجاج فصيل صغير لم يسمع به احد. إنها صورة عجزنا المطلق الذي نحجبه بارادتنا الخاصة.
هي ذات الصورة التي شاهدناها لجندي الإحتلال على أرض ترمسعيا وهو يطبق على رقبة زياد. هي ذلك العجز الذي أحاط بكل زملاء زياد والمناصرين الذين راحوا يركضون على غير هدى حاملين أشتال الزيتون.
إنه العجز الذي فينا، وعلى ملامحنا، لكننا نهرب منه، ونطلق عليه أسماء تجملية غير حقيقية، نختصره في بيان غاضب وملتهب، وتصريحات مكابرة تفضحها لغة العيون، المتحدث الشرعي الوحيد باسم قلوبنا التي ظلت تنبض بقوة لعقود حتى صرنا نخشى أن تضعف كما قلب زياد أمام ضربات عسكر الإحتلال وغازاته السامة التي أوقفت قلبه الطيب الجسور.
سنلتقي جميعا في الجنازة وفي بيت العزاء، ونستمع مجددا الى الخطابات النارية، ولن يجرؤ أحد على ذكر كلمة واحدة عن العجز الذي فينا وحوالينا. ستنتظر القيادة ما الذي ستقوله الإدارة الأميركية وما هي اقتراحات المجتمع الدولي قبل أن نتخذ قرار توقيف التنسيق الأمني مع "العدو". وهل نذهب الى محكمة الجنايات الدولية أم لا نذهب؟
ثم تنتهي أيام الحداد الثلاثة، وننشغل بالإعداد للتأبين..عندها نكون قد نسينا كيف تمكن جنود الإحتلال من قتل زياد ومنع رفاقه من غرس أشتال الزيتون على أرض ترمسعيا، ولكننا سنكون قادرين على البحث عن خليفة جديد ليقود "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" ويضع خطة استراتيجية حديثة بأساليب جديدة للتعامل مع مزيد من الإستيطان والمصادرة.
إنه ذات العجز الذي استغرق الاتحاد الاوروبي عشرات السنين ليتخذ موقفا خجولا من الاستيطان اليهودي على أرضنا المحتلة. وهو ذات العجز الذي يعتري مواقف حكومات العالم الغربي الذي لا يريد التعامل مع دعوات برلماناته الحرة للاعتراف بدولة فلسطين.
وهو قبل ذلك العجز الذي كرس نفسه في الإنقسام عام 2007 و لازال يتربع على راس اجندتنا ومصيرنا. وهو العجز الذي لم ينجب سوى حكومة توافق كرتونية بعد عقود من محاولات التوصل الى برنامج سياسي وطني واحد.
إنه العجز الذي كشفه لنا موت زياد.. وكل الذين سبقوه .. شكرا لك زياد ولكل الذين سبقوك ولا شكر لنا ما دمنا عاجزين عن التخلص من عجزنا.