عيد بأي حال عدت يا عيد؟ بأي حال يأتينا عيد النحر والذبح هذا العام؟ إن يكن في فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا؟
تمول السعودية التي تشهد اليوم ثورة سياسية تأخذها باتجاه جيل الشباب الذي يتقن الإنجليزية ولا يحتاج الى مترجم بينه وبين ترامب، عمليات "هولوكوست" واسعة للأضاحي البشرية في انحاء مختلفة من المنطقة في سياق حربها على الكفار والمارقين والشيعة والبعثيين، يستثنى من ذلك مثلما أصبحنا نعرف جميعاً دولة "إسرائيل" الكتابية، فهي دولة صديقة تساعد في محاربة الخطر الشيعي، والبعثي، والشيوعي إن بقي هنالك خطر من النوع الأخير في دنيا المنطقة. السعودية مع ذلك لا ينقصها الاهتمام بالقضايا العربية والإسلامية، ولذلك فهي مستعدة لبناء مئات المساجد في ألمانيا، وباقي دول اوروبا من أجل أن يجد المهاجرون دور العبادة الملائمة. لكن السعودية لا تتوانى عن قصف البيوت والمصانع والبنى التحتية والمساجد ذاتها في اليمن، وصولاً باليمن السعيد إلى "العيد في زمن الكوليرا" مع الاعتذار للراحل ماركيز. استعر برنامج القصف العشوائي لحرق الأخضر واليابس في جهاد مقدس تقوده أمريكا ومن طرف خفي "إسرائيل" ضد الكفرة من أنصار الله. قتل البرنامج الرهيب حتى الآن ما يربو على ستين ألف يمني، وجرح مئات الآلاف وهجر الملايين، وها هو يهدد البلد كله بالكوليرا. إنجاز يتفوق على مثيله الإسرائيلي الذي نفذ ضد الشعب الفلسطيني من قبل حليف السعودية الغامض "إسرائيل". في الأسبوع الأخير تم قصف حافلة فتحول أربعون طفلاً إلى شواء جاهز لمأدبة محمد بن سلمان وأستاذه محمد بن زايد وبقية الوحوش المعتوهة في السعودية والمحميات. قبل سنتين وفي حادثة خفيفة الظل قصف السعوديون مصنعاً لتعبئة المياه المعدنية، وادعو انه مخزن للذخيرة والأسلحة، ثم قتلوا 19 شخصاً في مسجد وقالوا إنه مليء بالأسلحة. والحقيقة ان الطريقة الأمريكية في فيتنام و"الإسرائيلية" في لبنان وغزة تستعمل هنا بمنتهى القسوة والوحشية: اقتل المدنيين وأحل حياتهم إلى جحيم، حتى ينفضوا عن المقاومة وينتفضوا ضدها. لكن الغريب ان هذا لم ينجح في حدود ما نعلم إلا في تسعير الغضب الشعبي ضد المستعمر، وفي هذه الحالة سيتصاعد الغضب ضد أداة الاستعمار القروسطية المدعوة بالمملكة السعودية. يقف وراء هذا الجهد التحرري المثابر لدحر الدكتاتورية في سوريا، والحوثيين الكفرة في اليمن، وحزب الله الإرهابي، طيف واسع من الديمقراطيين والمحافظين والمؤمنين من الأطياف كافة بما في ذلك بالطبع نتانياهو، وترامب، وملك السعودية السابق والحالي وولي العهد المغامر محمد بن سلمان، وزعماء المحميات النفطية متعددة الأسماء والأشكال، وكذلك دول القارة الكلاسيكية العجوز بما في ذلك دولة مثل السويد معروف عنها الحياد والاشتراكية. حتى حزبها الأخضر العتيد لم يرتدع بسبب خضرته عن دعم الجيش السوري الحر واحمد الجربا على امتداد سنوات على الرغم من أن هؤلاء حليف مخلص للنصرة.
يتحرك بشكل أرعن وغير واثق الخطوة على الإطلاق الأكاديمي الأمريكي، والعسكري ابن المؤسسة التي تحمي الطبقة البرجوازية الأكثر فساداً وتخلفاً في العالم عبد الفتاح السيسي، فيتقدم لدعم العمل العربي المشترك في اليمن، وفي سبيل الكفاح ضد قطر يتحالف مع محمد دحلان القادم من عند محمد بن زايد من أجل تحويل غزة إلى تابع للإمارات ومصر بدلاً من قطر وتركيا. رأس الخيمة والفجيرة وخورفكان صارت لها مطامع إقليمية، هذه تصاريف القدر. وفي هذا السياق "نتفاجأ" بأن قائد أختنا الكبرى مصر قد خان أشقاءه واجتمع منذ شهر "سراً" مع حبيب الفرقاء جميعاً بيبي نتانياهو.
فانتازيا العيد الراهن أوسع من ذلك وأبعد غوراً، وهي "لا معقول" صرف يتفوق على لا معقول صموئيل بيكيت إذ تتنافس غزة ورام الله في مضمار "إنجاز" الاتفاقيات مع "الجار" الإسرائيلي. وتعبر فتح (والسلطة) عن عدم معارضتها للتهدئة التي تتجه نحوها حماس بشرط أن تتم تحت مظلة الوحدة الوطنية التي تعني هنا أن يكون القرار للسلطة. وهكذا فإن مضمون الاتفاقية في ذاته ليس مهماً، وإنما المهم لمن تكون "الزعامة" بين ممالك الطوائف الفلسطينية.
وحده في ميدان العرب، يحافظ حزب الله على "أسطورة" عفا عليها الزمن تتحدث عن عدو صهيوني يكاد يخلو منه المشهد السياسي والإعلامي العربي بشكل تام. كل عام ونحن جميعاً على قيد الحياة، بشرط واحد أن لا يأتي العيد المقبل ونحن نعيش في عصر الهيمنة القروسطية السعودية واجهة لا أكثر للاستعمار الأمريكي وحليفه الصغير "إسرائيل".
حاشية: بصدق ودون رغبة في التفكه نقول إن من المدهش حقاً أن الناس تواصل أداء فريضة الحج في كنف مملكة آل سعود الإسرائيلية/الأمريكية. لقد طلق ملك إنجلترا الكاثوليكية لأنها حالت بينه وبين من يحب من النساء. لكن مملكة التخلف والخيانة تحول بين العرب وبين دخول العصر الإنساني وتبقيهم عبيداً للاستعمار ومشاريعه، أليس الأولى بنا أن نطلق هذه المملكة ونحرمها من أية ادعاءات مقدسة؟