حدث الساعة
كما العادة منذ عقود، اجتمعت أسرة الفلسطينية هاجر النجار (68 عامًا) وبعضًا من جيرانها، حول موقد النار، يعكفنّ على تجهيز كميات كبيرة من خبز "الصاج"، لتناوله خلال أيام عيد الأضحى مع لحوم ومرق الأضاحي.
واعتادت الكثير من الأسر الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، منذ عشرات السنين، على تحضير وطهي خبز "الصاج"، قبيل عيد الأضحى بيوم أو يومين.
وتخبز العائلات القاطنة في الريف والمناطق الحدودية الخبز في المنزل، لوجود مساحات تتسع لذلك؛ فيما تتجه أسر أخرى لشرائه جاهزًا من المخابز.
وارتدت المُسنة "النجار" التي تندحر أصولها لقرية "سَلَمَة" القريبة من مدينة يافا (شمال) ثوبًا مُطرزًا كما الأثواب الفلاحية القديمة، كذلك ارتدت بناتها وحفيداتها أثوابا مشابهة، وجلسنّ يُحضرنّ خبز الصاج، وسط أجواء من البهجة.
ولكل واحدة مِنهُنّ، وظيفتها، فواحدة تقطع العجين المكون من: دقيق القمح أو الشعير، المضاف إليه ملح، وماء، إلى أقراص، وأخرى ترقّه (تفرده) بيديها على منضدّة صغيرة، والثالثة تتلقفه بيديها يمينًا ويسارًا حتى يُصبح رقيقًا وتضعه على النار، وتقلبه سريعًا ليصبح جاهزًا للتناول.
وتقول المُسنة "النجار"، التي تقطن بلدة خزاعة الحدودية شرقي مدينة خان يونس لمراسل "الأناضول" : " خبز الصاج هو من عاداتنا وتقاليدنا، التي توارثناها عن الأجداد والآباء، فمنذ الصِغر وأسرتي تطهو هذا الخبز بشكل دائم، خاصة في يوم الجمعة للتناول مع وجبة الغداء، وفي عيد الأضحى لتناوله مع مرق ولحم الأضحية".
وتضيف: " لا بهجة للعيد بدونه، فكل عيد قبل بيوم أو يومين اجتمع أنا وبناتي وجاراتنا، ونجهز كمية كبيرة ونقوم بطهيها، وأعطي كل واحدة منهنّ حصتها، وأوزع للأسر الفقيرة من الجيران، أو النساء غير القادرات على الطهي؛ وخلال التحضير يتجمع الكبار والصغار من حولنا، ونعطيهم منه وهو طازج للتناول".
وتتابع: " بعد أن يأتي المضحين من أضحيتهم يتناولون الخبز على مائدة الفطور مع الكبد والطحال المطبوخ، وأيضا يتناولونه على وجبتي الغداء والعشاء، على أكلة مشهورة والكل يتناولها يوم العيد وهي (الفتة بمرق الأضحية)، وتعتبر من أشهى وأطيب الأكلات، لأن اللحم يكون طازجا".
وتوضح "النجار"، أن والديها قبل عشرات السنين، كانوا يتناولون الصاج مع لحم الأضحية ومرقها، قبل أن يقوموا بتوزيعها على الجيران والأرحام والفقراء؛ مشيرةً إلى أنهم ما زالوا متمسكين بهذا العُرف، لأنه جزء من التراث.
وتبيّن أن والديها وأجدادها كانوا يطهونه ثلاث مرات يوميًا، أي عند كل وجبة، طوال أيام السنة.
لكنها تضيف مستدرك: " في العصر الحالي، أصبحنا نخبزه في أيام الجمعة أو المناسبات، وعيد الأضحى المبارك، فلا يكاد يمر عيد بدونه، سواء كنا مقتدرين على شراء الأضحية أم لا".
أما المُسنة لطيفة النجّار (76عامًا)، فرغم كبر عمرها وظهرها المنحني، فقد قطعت مسافة "500 متر"، متكئة على عكازها ومرتدية ثوبًا تراثيا، لتشارك في طهي الصاج.
وخلال عملية الطهي لم تكن تبخل على النسوة بصوتها وغنائها التراثي القديم، الذي حفظته عن آبائها.
وتشير "النجار"، إلى أن خبز الصاج له فوائد كثيرة، فهو صحي، بدون أي إضافات، وتضيف: " كان الناس يستخدمونه منذ القِدم، عندما كانوا يحصدون القمح والشعير، ويطحنوه على الطاحونة الصخرية المعروفة باسم (الرحى)، وهي عبارة عن حجرين يشكلان دائرة فوق بعضها البعض.
وتستذكر المُسنة، عندما كانت الأسر الفلسطينية تقوم قديمًا بطهي الخبز أمام بيوت الشَعَر (الخيام) على النار، ويتناولونه يوميًا، وله استخدامات كثيرة أخرى في الأفراح والمناسبات الأخرى كعيد الأضحى.
وينتشر خبر الصاج في منطقة الشرق الأوسط، بأسماء متعددة، حيث يُسمى في بلاد الشام بما فيها فلسطين "خبز الصاج أو الطابون"، وفي تركيا "صاج إيكمي" أي ورق الخبز، والأردن "الشِراك"، والسعودية "القرصان"، وقطر "الرقاق".
المصدر: هاني الشاعر/ وكالة الأناضول