الإضاءات ومصادرها دائما ما تترك ظلالا على سطوح مقابلة لتلك الأجساد المعتمة التي تمارس المشاهدة، كانفلات الرغبة المكبوتة انشغل الشارع في الأيام الأخيرة في موقفه من خروج عهد التميمي التي قضت ثمانية أشهر في سجون الاحتلال لتخرج أيقونة لـ" فلسطين"، حتى أن البعض راح يستهجن مدى الاحتفاء بهذا الخروج، إلا أن الأمر لم يكن حالة تلقائية وارتجالية كما تعامل معه الشارع؛ فعهد التميمي التي تم إبرازها عبر المؤسسة السياسية في قمتها ممثلة بمحمود عباس والمؤسسة الإعلامية لم تكن أسيرة فلسطينية فحسب بل كانت واحدة من الركائز التي استندت إليها النظرية السلمية؛ فهي الأيقونة المشتهاة لـ "فلسطين" التي أرادتها سلطة عملت على مدار عملها في الساحة الفلسطينية على تعزيز المقاومة السلمية والشعبية وهنا أصبح الشارع يستيقظ أكثر إلى آليتين متناقضتين في الطريقة ومنسجمتين في النتائج لتعزيز تلك الدولة التي تمتلك رموزها ولا حضور لها في واقعها والتي أرى بهما آليتي التعميم / التعتيم، فقد كان تعامل المؤسسة والشارع لا يكشف عن ما أرادت المرحلة السياسية أن تقوله فحسب؛ بل تعدى ذلك إلى السكوت عن ما لا تريد المؤسسة قوله أيضا .
تحت ضوء ما أريد له أن يقال تكشف سياسات التعميم أن الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه يرضى هذه الآلية من المقاومة، حيث أن المؤسسة الإعلامية – بشكل عام- ذهبت إلى منح اللقب لعهد التميمي ليس كونها عهد الفلسطينية بقدر ما أنها عهد التي أرادتها المؤسسة كنموذج للمقاومة التي تريد، فهنا تولد شرعية السؤال التلقائي؛ أي صفة وراثية تلك التي ستسود على جيل تكون (عهد المؤسسة) أيقونة له، فهي الآن صارت مؤهلة لأن تتحدث باسم الجيل الفلسطيني وباسم الأسير الفلسطيني دون أي تردد، فالمؤسسة التي تمارس آليات التعميم دون رحمة على عهد لا تقصد عهد بذاتها بل إنها تريد أن تجعل من رمز الجيل ضحية لها ليكون الجيل كله كذلك، هذا عدا عن تعميم صورة الجندي الاستعماري الذي يتلقى الركلات من طفلة صغيرة ويبقى ضابطا لنفسه دون أن يأخذ ردة فعل معادية كما يفعل الجندي الاستعماري بحق الأطفال والنساء.
هناك في الظل ترك الكثير مما لا تريد المؤسسة قوله أن عهد التميمي طفلة فلسطينية أخذت طريقا من الطرق التي رآها طرف من الفلسطينيين مناسبة لتحقيق الحلم، حيث ليس ببعيد عن عهد في الجغرافيا ولا في العمر ولا في تاريخ الحدث؛ كان الطفل الفلسطيني محمد طارق يوسف من قرية كوبر يترك في ظلال عملية الطعن التي استشهد على اثرها فطارق ابن السابعة عشر من العمر قريب جدا في كل شي من التميمي إلا من موقف السلطة الفلسطينية، وهنا يأتي سؤال ليس بالتلقائي؛ لماذا لم يعتبر محمد طارق أيقونة الجيل الفلسطيني؟ وما الذي جعله صاحب صفة متنحية في عرف المؤسسة الرسمية؟؟