الحدث الثقافي
شهد معبد باخوس في قلعة بعلبك التاريخية مرور العديد من القامات الفنية عبر التاريخ، تنبض أعمدة القلعة بأصوات وموسيقى عمالقة الفن العربي والعالمي. القول بأن الزمن الجميل للموسيقى قد انتهى هو خطأ فادح، فكل زمن نعيشه هو زمن جميل، والليلة الأنيسة التي عاشها كل من حضر حفل المؤلف الموسيقي ايلي معلوف والفنانة جاهدة وهبة أكبر دليل على هذا الكلام. ايلي معلوف موسيقي لبناني فرنسي استقر في باريس منذ ثلاثين سنة. ترك لبنان وهو ابن السابعة عشرة وانتقل للعيش في فرنسا من أجل تحقيق حلمه بالعزف على آلة البيانو.
سجّل ايلي ألبوم تحت عنوان "Through Life -عبر الحياة" بمشاركة أربعة موسيقيين على آلات أخرى عام 2008. أعاد إصداره بحلة جديدة هذه السنة مضيفا معزوفة جديدة عبارة عن "صولو" بيانو. يتألف الألبوم من عشر معزوفات، كل منها تحكي تجربة خاصة في حياة الموسيقي كما حمل الألبوم اسم المعزوفة الخامسة "عبر الحياة" "Through Life" والتي تسلل نغمها إلى أذنه وهو مستلقي على أرضية الاستوديو في باريس مسترجعا شريط حياته.
اجتمع ايلي وآلة البيانو على أهم المسارح العالمية في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم. هذا الموسيقي الذي خاض تجربة غنية بين الشرق والغرب حط الرحال على مسرح قلعة بعلبك حيث عزف موسيقى من روحه.
استضافت قلعة بعلبك العريقة واحدة من أهم حفلات مهرجانها الدولي لهذه السنة. تشارك ايلي معلوف المسرح مع جاهدة وهبة، بالإضافة إلى عشرة موسيقيين قدموا من فرنسا ولبنان وسوريا. عزف ايلي أجمل مؤلفاته بمرافقة فرقته، كما غنت جاهدة أغاني من التراث العربي وباقة من أغانيها الخاصة. جاهدة وهبة الفنانة اللبنانية التي وقفت على أهم المسارح العربية، مراهنة على احياء الطرب العربي في قلب الجيل الجديد، وقد ربحت الرهان!
افتتح الموسيقيون الحفل بمعزوفة ألفها ايلي معلوف كتحية لهذا المكان الذي يسكن روحه وأطلق عليها اسم 'افتتاحية لبعلبك"، كانت المعزوفة عبارة عن لقاء بين الموسيقى الشرقية والغربية. جمعت الافتتاحية جو الموشح، ارتجال بيانو، سولو بوق، حوار بين الكورال وعازفي الإيقاع، ناقلين الموسيقى إلى أصابع عازف الكمان، والتشيلو والكونترباص والأكورديون بالإضافة إلى عدد من القصائد لشعراء معروفين بصوت جاهدة وهبة. كان الحوار بين الآلات الموسيقية مدهشا. انتقل اللحن من موسيقي الى آخر بسلاسة وخفة، هذا التناغم شد اهتمام الحضور وقلوبهم من أول لحظات الحفل إلى آخره. توالت معزوفات ايلي التي كانت تسحب "الآه" تلوى الأخرى، تتخللها أغاني بصوت جاهدة، الكل على شكل سيناريو يحكي تجربة حياة. استمر الحفل على هذه الوتيرة دون أدنى تذبذب في موجات الطاقة المتبادلة بين الجمهور والموسيقيين
نضوج ايلي الموسيقي جعله يتقن العزف على عدة آلات موسيقية، فينتقل من العزف العصري على البيانو إلى آلة البزق بسلاسة. لم يبخل على الحضور بهذا التنوع وعزف خلال الحفل على آلتي البيانو والبزق وكذلك آلة السنسولة والميلوديكا
تمايلت قلوب الحاضرين بين الموسيقى والغناء في تناغم مطلق، وأبدع الموسيقيون على المسرح فأعطوا شعورا بأن النغم ينبع من آلة واحدة. كانت النشوة ظاهرة على الوجوه بعد انتهاء الحفل، فالمتعة سرقت الوقت والوقت حان لإعلان انتهاء الحفل. وصف الجمهور الليلة بالاستثنائية والأنيسة، فأغلبهم لم يبرحوا أماكنهم حتى خلال فترة الراحة.
وصل الطريق "من الطرب الى الجاز" الى نهايته، وصمت البيانو عن البوح، ولكن ظلت الريح المارة بين أعمدة القلعة محملة بموسيقاه في انتظار لقاء آخر.