لماذا يتم خنق الأطفال وتدليل الكبار في سياق التعليم الفسطينيي والعربي عموماً؟
ابتدأ العام الدراسي مرة أخرى. لا بد من ذلك في نهاية المطاف مهما طالت العطلة الصيفية. الأطفال المساكين يعرفون أنه لا مفر ولا مهرب من العودة إلى المعتفلات التي تمارس فيها صنوف الإخضاع والقمع والقهر والإذلال وإلغاء عمل العقل إضافة إلى تحويل الوقت إلى وحش اسطوري يحرس الملل.
الوزير صيدم مثلما يفعل كل عام ظهر على الصفحة الأولى من جريدة القدس المحلية بصورته المبتسمة ليكتب بالتفاؤل المعهود عن عودة مليون وثلث من الأطلفال إلى ساحات العلم والمعرفة لكي يبنوا ويعمروا ويثمروا ويبدعوا ...الخ لم ينس الوزير أن يتحدث عن البهجة والسرور التي ترافق ذلك.
صدقوني أنني لم أتمكن حتى من الابتسام؛ فقد كان أطفالي –مثل أطفال الوطن العربي كله- واجمين كأن على رؤوسهم الطير: لقد ذهب وقت الفرح "القصير" وجاء عام طويل من المعاناة التي لا يوجد فيها أي شيء له علاقة باللعب أو المرح أو التفكير أو المناقشة أو تبادل الآراء.
يعرف الأطفال جيداً أن الانضباط والصمت وحفظ الدروس وحل الواجبات الشكلية التي لا تتضمن أية مهارات وصولاً إلى الشتائم والضرب والإيذاء بأنواعه هو ما ينتظرهم. كم مرة زرت الوزارة لأخبرهم بأن ما يقولونه في وسائل الإعلام لا علاقة له بما يحصل على أرض المدرسة من الخليل إلى جنين. كانوا يبتسمون ويقولون مثل العادة: "أوعى تفكر إنك في السويد." فأضحك وأقول: "لا طبعاً، هو أنا مجنون، عارف أنني لست في السويد ولا حتى في الفلبين، لكن يا جماعة: اشي ومنو. طيب ليش حرمتم الرياضة والفنون على الأطفال؟"
الغريب في التعليم الفلسطيني الراهن أن كمية القمع والاضطهاد تتراجع كلما انتقل الطفل إلى مرحلة أكبر. ويصل التدليل غايته بوصول المتعلم إلى مستوى الدراسات العليا حيث يدفع للجامعات الرسوم الباهظة دون أن يتلقى تدريباً يذكر. هنا عيون المؤسسات التعليمية مركزة على جيب "الزبون" الذي لا بد من إرضائه بأي شكل من أجل لأن لا يذهب لابتياع السلعة من "موزع" آخر. ومن ناحية أخرى يبدو حجم طالب المرحلة الثانوية كبيراً وجسده يختزن من القوة البدنية ما يخفف من ميل الجهاز التربوي إلى ممارسسة العنف معه سواء أكان جسدياً أم لفظياً. عموماً يقتصر العنف في المدرسة الثانوية كما هو معروف على المعلمين الذين يتمتعون بأجسام قوية وعضلات مفتولة. أما في مدارس الصغار فيقوم الجميع بممارسة العنف بمن في ذلك المعلمات في نظام المرحلة اللائي يفترض أن الوزارة قد نذرتهن لمهمة نبيلة هي رعاية الأطفال الصغار بدون قسوة ولا غلظة.
أقف قرب سور إحدى المدارس، فالمدارس محاطة بأسوار عالية لحمايتها، أو لمنع الأطفال من الخروج بدون إذن المناوب/الشاويش. أتأمل الأطفال في حصة الرياضة بداية العام. الرياضة هي حصة الفرح الوحيدة في أسبوع كله ملل وعذاب.
معلم ضخم قليلاً يصرخ دونما سبب ظاهر للعيان موجهاً حديثه للأطفال جميعاً: "عينيك إلى الأمام يا حيوان." نظرت إلى الأطفال الذين انطفأت فرحتهم، واستدرت ومشيت. حتى أن المدرس المسكين لم يكترث لوجود شخص كبير مثلي بالجوار، لم يردعه ذلك عن القيام بواجب شتم الأطفال الذي لم يكن له سبب.
في الصفوف الابتدائية الأساسية من الأول إلى الرابع تطبق خطة المواضيع الدراسية الجديدة. وتجتهد "المس" لتخبر التلاميذ أن حصة الرياضة لا وجود لها في المنهاج الجديد، وبالتالي "ما يحلموا بالرياضة."
الوزير صيدم: منذ سنتين ونحن نستمع لأحاديثكم عن النظام الجديد وما يزال البشر تائهون في فهم أسراره.
الوزير صيدم: حصة الرياضة، لو كنت سألتني رأيي، يجب أن تكون ثلاث مرات أسبوعياً لكي لا أقول مرة كل يوم.
إنها حصة الفرح الوحيدة التي يقتلها المدرس المسكين المثقل بأعبائه اليومية المختلفة وراتبه الذي لا يسد رمق أسرته.
الوزير صيدم: دكاكين الملل والاضطهاد التي تسمونها مدارس تحتاج إلى عمل أكثر من تغيير الكتب المقررة كلما توافرت منحة مالية من هنا وهناك.
أتوسل إليكم جهاز التربية من أبناء هذا الشعب المعذب: أنتم تعرفون الذي يجري في المدارس، إلا إذا كنتم تعيشون خارج هذه البلاد، أتوسل إليكم أن تفكروا في أن فرح الأطفال أهم من الانضباط، وأن قلوبهم الغضة وعقولهم هي أغلى ما نملك.
توقفوا عن اضطهادهم وقتل فرحتهم وذكائهم، أو فكروا في مشروع يوفر المال والجهد وصحة الأطفال: أغلقوا مدارسكم واسمحوا للأطفال أن يعيشوا ويتعلموا من حياتهم اليومية في الأسرة والشارع والمجتمع.
حاشية: كم عدد الآباء والأمهات الذين يفكرون في أعماقهم بحسرة في أنهم يذنبون بحق أطفالهم الذين يعيشون الرعب والقهر والخوف ويتعلمون الكذب والتظاهر والنفاق على امتداد سنوات القهر المدرسي المنتظم التي تمتد 12 سنة بالتمام والكمال؟