الحدث ــ محمد بدر
يجلس "حزاي بتسلال" الإسرائيلي الستيني صاحب السحنة الشرق أوسطية على هامش المؤتمر القومي للاقتصاد الإسرائيلي محاورا مراسلة موقع كالكليست الإسرائيلي. وبعبارات تنموية لطيفة، يؤكد "بتسلال" أنه لا يسعى للمال من وراء مشاريعه في "إسرائيل"، ويضيف مبتسما: "دعيني أقول لك أنني لا على المستوى الاقتصادي أو المالي أحتاج لإقامة هذه المشاريع"، يختتم النقاش وينتهي التنظير اللطيف بالابتسامات.
المتتبع لتاريخ الرجل ولطبيعة عمله ولحجم ثروته، يكاد يصدّق ذلك. لكن كيف يمكن لتاجر سلاح وبائع خدمات أمنية أن يتحول في عشية وضحاها لاستثمار أمواله من أجل "خدمة الناس" كما يقول. ولكن حتى لا نغرق كثيرا في نظرية المؤامرة، فالرجل يقيم مشاريعه في "إسرائيل" التي يعتبرها موطنه والتي خدم في جيشها قبل أن يتحول للعمل في الاقتصاد.
يبدو كل ما سبق طبيعيا، فإسرائيل التي تنظّر في الليبرالية والقيم الحضارية الغربية، ثبت أنها تبيع السلاح في الكثير من بؤر النزاع حول العالم، وقد يكون "بتسلال" نسخة عن الابتسامة الإسرائيلية، والدور الإسرائيلي الحقيقي ونموذج مصغر لهذه الحقيقة. ولكن ما هو غير طبيعي بالنسبة لي، هو مكالمة تلقاها صديق لي. حينها، سمعته يحدّث صبية وأكاد أجزم أنه كرر كلمة "لا" أكثر من 5 مرات خلال المكالمة. ولأن صديقي كان حادا في حديثه وفي تكراره لكلمة "لا" دفعني الفضول لسؤاله عن فحوى المكالمة، فأجابني بأن شركة اتصال إسرائيلية تدعى “we 4g” تتصل به وتحاول اقناعه بالاشتراك بخدماتها.. وكان السؤال التلقائي: كيف يتصلون على رقم شريحة فلسطيني؟!.. لا أعرف.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن هذه الشركة ومن يقف وراءها ولمن تتبع، وبكل سهولة تجد بعد بحث بسيط أن "حزاي بتسلال" هو مديرها ومؤسسها في "إسرائيل"، وكان هذا سببا كافيا للبحث أكثر في تاريخ الرجل وارتباطاته الأمنية والسياسية مع المستويات الأمنية والسياسية في "إسرائيل". وقبل كل شيء، فإنه من المهم نفي فرضية أن الرجل مستثمر لخدمة الإسرائيليين كما يقول، لأن الاتصال على فلسطينيين من قبل الشركة يضع حديثه محل شكّ، ويضعنا أمام تساؤل مهم: من منح هذه الشركة الأرقام الفلسطينية وبيانات المشتركين بالشركات الفلسطينية؟!
ولد "حزاي بتسلال" عام 1951 في مدينة البصرة في العراق، وهاجر إلى "إسرائيل" برفقة عائلته. في البداية سكنت عائلته مخيم صهيوني مؤقت يدعى "أور يهودا"، ثم انتقلت للسكن في مستوطنة "رمات جان" واستقرت في النهاية في "رمات أفيف". خدم "بتسلال" في الجيش الإسرائيلي ومن ثم انتقل للدراسة في مجال الاقتصاد في جامعة تل أبيب، وبعد حصوله على شهادات عليا في الاقتصاد، عمل أستاذا في الجامعة التي درس فيها.
كان "بتسلال" معجبا بـ"حاييم بن شاحر" وساعده في الدخول إلى عالم السياسة، والأخير من مؤسسي منظمة "هاشومير هتسعير" وهي أول حركة شبابية صهيونية، تأسست عام 1913 وكانت تهدف إلى تنمية الشعور القومي اليهودي لدى الشباب اليهودي في ما يسمى بـ"المنفى"، والعمل على تنظيم هجرات يهودية منظمة باتجاه فلسطين.
ترك "إسرائيل" بعد أن تم تكلييفه من قبل أحد البنوك البريطانية بإنشاء بنك استثماري في كينيا واستقر هناك مع زوجته وأطفاله الثلاثة كمدير للبنك، وكان شديد الصلة بالسلطات في كينيا وأوغندا ودول شرق أفريقيا الأخرى. وساهم في تمويل بعض العمليات الأمنية والتحديثات العسكرية في هذه الدول، وكذلك تمويل بعض التدريبات لفرق خاصة تُعنى بحراسة الشخصيات المهمة، وتشير بعض التقارير العبرية إلى أن "بتسلال" ساهم في تعيين أحد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين كمدير مشروع كبير في أفريقيا، وينسب له توطيد الوجود الأمني والتجاري الإسرائيلي في أفريقيا.
في عام 2011 فاز "بتسلال" بمناقصة وزارة الاتصالات الإسرائيلية، وأسس شركة "اكس فون"، وفي عام عام 2018 أعلن بالتشارك مع شركة "سيلكوم" للخدمات التكنولوجية عن خدمات جديدة للمشتركين من خلال شركة “we 4g”؛ التي سبق ذكرها بالتقرير.
وفي عام 2015، كشف الرئيس التنفيذي لشركة "ميتور إيروسفيم" "يتسحاق نيسان" عن أن "بتسلال" شريكه في إدارة الشركة، وتقدم الشركة خدمات أمنية في آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، و"نيسان" كان مسؤولا عن شركات أمنية في "إسرائيل". وبحسب موقع جلوبس العبري، فإن مجلس إدراة الشركة يضم المدير العام السابق لوزارة جيش الاحتلال "يهيل حوريف" و المدير العام لجهاز الأمن العام سابقا "الشاباك" "عوفر ديكل". ويقع مقر الشركة الأمنية في "إسرائيل"، وتعنى الشركة في صناعة التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية المتطورة. وبالعودة لـ"نيسان"، ففي عام 2006 عين في منصب مستشار لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود اولمرت ووزير جيش الاحتلال السابق شاؤول موفاز.
تكشف شبكة علاقات الرجل المؤسس لشركة “we 4g”، بأن مجال عمله الأساسي يتلخص في العمل الأمني والاستخباراتي، وأن دائرة العلاقات التي يعمل في إطارها؛ بالأساس كانت عناصر هامة ومؤثرة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبالعودة لحديثه عن أن شركته تعمل لخدمة المواطنين الإسرائيليين، فإن محاولات الإقناع التي تمارسها الشركة في إقناع الفلسطينيين بالاشتراك في خدمات الشركة، يطرح أسئلة كبيرة حول عمل الشركة وتحديدا محاولاتها الدخول للشارع الفلسطيني.
تواصلت مع الشركة مستفسرا عن الكيفية التي تقوم الشركة من خلالها توصيل شرائحها للضفة الغربية، فأكدت لي موظفة باسم "سارة" أن الشركة تستطيع إيصال الشرائح للضفة الغربية مجانا، وأن دفع قيمة الاشتراكات يتم من خلال بطاقة ائتمان.