الحدث-أبوبكر قرط
على الرغم من أن طبيعة العلاقة بين التحصيل الأكاديمي والبطالة يفترض أن تكون علاقة عكسية، إلا أن هذا ربما لا ينطبق على وضعية فلسطين في ظل إغراق سوق العمل بآلاف الخريجين سنوياً من مختلف التخصصات ينتظرون دورهم في طابور طويل إلى أن تتهيأ لهم فرصة أصبحت نادرة القدوم هذه الأيام.
هذا ما جاء في تصريح صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ذكر بأن نسبة البطالة في فلسطين بلغت 26% أغلبهم من الشباب ومن فئة المتعلمين، في حين أن أسوأ نسبة يمكن أن تصل إليها البطالة في إسرائيل هي أن تتجاوز قليلاً الـ6%.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻌﻅﻤﻰ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺅﺴـﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻭﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ ﻫﻲ ﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﻁﺎﺒﻊ ﻓﺭﺩﻱ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﻤﻠكية ﺭأﺱ ﺍﻟﻤﺎل، ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻥ ﻤﺸﺎﺭﻴﻊ ﻓﺭﺩﻴﺔ ﺘﻬﺩﻑ ﺒﺎﻟﺩﺭﺠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺘﻭﻓﻴﺭ ﺩﺨل لإﻋﺎﻟﺔ ﺍﻷﺴﺭ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻗﺭﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻤل ﻀﻤﻥ ﺍﻟﻘﻁﺎﻉ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﻨﻅﻡ ﺤﻴﺙ ﺸكلت نسبة ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ 88%.
الجامعات الفلسطينية...وتشجيع الريادة
يرى مراقبون أن الجامعات الفلسطينية يناط بها المسؤولية الأولى لإذكاء الروح الريادية لدى الخريجين من خلال تشجيعهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة بهم، الأمر الذي يخفف المزاحمة على الوظائف الإدارية في المؤسسات الفلسطينية. وحول دور الجامعات في ذلك، يقول د. محمد نصر، رئيس هيئة سوق رأس المال الفلسطينية، بأن الجامعات الفلسطينية تلعب دوراً هاماً في تعزيز الروح الريادية لدى الخريجين، وإن كان بدرجة أقل مما هو متوقع منها، وذلك من خلال تحفيز الطلبة على المبادرة والإبداع والمنافسة، سواء من خلال التركيز على المهارات الشخصية، أو المحاضرات والندوات، أو من خلال توفير البيئة المناسبة لهذه المبادرات، أو استضافة الشخصيات الريادية للالتقاء بالطلبة أو من خلال تحديث البرامج التي تركز على المهارات والابتكار والإبداع.
المشاريع الصغيرة.. .الأهمية والعوائق
ويضيف نصر بأن إنشاء المشاريع الصغيرة من قبل الخريجين الرياديين يسهم في التخفيف من مشكلة البطالة ودعم الاقتصاد الفلسطيني، وخلق فرص عمل لكثير من الخريجين الذين لا يستطيع سوق العمل أن يستوعبهم، خصوصا في ظل معدلات البطالة المرتفعة. وحول العوائق التي تواجه الرياديين الشباب، يقول نصر بأن أهم هذه العوائق هو عدم توفير التمويل اللازم للرياديين للبدء بمشاريعهم، وعدم قدرتهم على الوصول إلى الأسواق الخارجية، وعدم وجود مهارات تسويقية وإدارية لبعض منهم، بالإضافة إلى عدم وجود مؤسسات مساندة، حكومية أو خاصة، تدعمهم وتساندهم في بدايات حياتهم العملية، باستثناء محاولات محدودة تقدم خدمات لعدد محدود من الخريجين.
الواقع الريادي في فلسطين...نقاط القوة والضعف.
أما بالنسبة للواقع الريادي في فلسطين في الوقت الراهن، أوضح نصر أنه وعلى بالرغم من أن التوجه الريادي لا يزال في بداياته، إلا أنه قطاع واعد، وهناك عدد من المشاريع الناجحة التي أثبتت قدرة عالية على المنافسة على المستوى الإقليمي والدولي أحيانا، خصوصا مشاريع تكنولوجيا المعلومات.
ويبين نصر بأن من أبرز نقاط القوة التي يتمتع بها هذا القطاع هو رأس المال البشري الكبير الذي يتمتع به الشباب الفلسطيني، وقدرته على التحدي والمثابرة. أما أهم نقاط الضعف، فهي عدم وجود مؤسسات داعمة وحاضنات، خصوصا في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يحبط كثيراً من محاولات الشباب للوصول أو التواصل مع العالم الخارجي. وأكد نصر على أن هناك الكثير من الفرص أمام القطاع الريادي الفلسطيني، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف، سواء الجامعات أو القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. كما دعا إلى ضرورة إنشاء مؤسسة تشترك فيها هذه القطاعات المختلفة تكون مهمتها الأساسية مساعدة هؤلاء الخريجين على القيام بمشاريعهم الريادية.
مقوّمات الريادة
وحول المقومات التي يحتاجها الشخص ليصبح ريادياً، قال د.مروان عورتاني، رئيس جامعة فلسطين التقنية خضوري، بأن الخريج الفلسطيني يحتاج إلى مجموعة من المقومات التي تمكنه من التغلب على واقع التشغيل الصعب في فلسطين، وسلوك المسار الريادي، ومن ضمن هذه المقومات: قدرة الشخص على التقاط الفرصة أو التحدي أو الحاجة والاستجابة لها، الأمر الذي لا يحتاج إلى الذكاء العقلي فقط، بل الذكاء العاطفي والوجداني أيضاً، وثقافة المبادرة والشعور بالمسؤولية لإحداث الفارق، وتحديد الغاية، وحشد الموارد اللازمة، والتخطيط، والإقدام والجلد والمثابرة وتحمل المخاطر.
أهمية التشبيك بين الجامعات والمؤسسات
وأكد عورتاني على أن أهم عامل للتعلم هو المشاركة والانخراط، وليس التلقين والتسطيح المعرفي الذي يقوم عليه النظام التعليمي في فلسطين. وألمح عورتاني إلى أن من أهم المشاكل التي تعاني منها الجامعات الفلسطينية ضعف الجانب الريادي، وضعف التشبيك مع مختلف المؤسسات وانحصار ذلك في الجانب الشكلي. ودعا عورتاني إلى ضرورة تبني الجامعات الفلسطينية منظومة ريادية فاعلة وتعزيز قدرتها على التشبيك بما يوفر مصادر تمويل للخطط والبرامج الريادية للخريجين.
نموذج ريادي..من برنامج "تميّز"
ومن النماذج الريادية الفلسطينية المشرقة، أحمد الحاج محمود (21 عاماً) وهو طالب في قسم هندسة أنظمة الحاسوب بالجامعة العربية الأمريكية، كما أنه عضو في برنامج "تميّز" الريادي الذي ينفذ بشراكة ثلاثية بين كل من باديكو القابضة، ومنتدى شارك الشبابي، والمؤسسة الدولية للشباب. حيث أقدم الحاج مع اثنين من زملائه الجامعيين على تأسيس شركة خاصة بهم، ويقول الحاج "جاءت فكرة تأسيس الشركة لدينا من منطلق رغبتنا في خلق فرصة عملنا ذاتياً قبيل تخرجنا من الجامعة، وذلك لنخرج عن إطار المألوف في البحث عن الوظيفة بعد التخرج، وتجنباً لتحمل تلك المعاناة" ويضيف الحاج بأن "شركة EIT Solutions هي شركة فلسطينية ريادية تعمل في مجال تطوير أنظمة الحاسوب وبرمجياته، وأنظمة تتبع وتعقب المركبات والأفراد عن بعد."
يذكر أن برنامج "تميَّز" الذي يعتبر أحمد الحاج محمود عضواً فيه، هو برنامج وطني إستراتيجي انطلق في العام 2012 بالشراكة بين باديكو القابضة ومنتدى شارك الشبابي ومؤسسة الشباب الدولية، وهو برنامج يستهدف طلبة الجامعات الفلسطينية بهدف إعداد جيل من الشباب الفلسطيني المتمكن والأكثر دراية بسوق العمل، ودعمهم ليكونوا أصحاب كفاءة مؤهلين لدخول سوق العمل وتحسين فرص منافستهم في السوق المحلية والدولية، أو ليصبحوا رياديين مبدعين، بما يؤهلهم ليكونوا قادة في مجتمعهم مستقبلاً، وذلك من خلال برنامج متكامل وشراكة فاعلة بين مؤسسات القطاع الخاص والأهلي والجامعات الفلسطينية. وكان البرنامج في مرحلته الأولى قد شمل ثلاث جامعات فلسطينية هي جامعة بيرزيت والنجاح الوطنية وبوليتكنك الخليل، ثم امتد في مرحلته الثانية ليشمل أربع جامعات جديدة هي جامعة القدس وجامعة فلسطين التقنية "خضوري" والجامعة العربية الأمريكية "جنين" وجامعة القدس المفتوحة.
وقال السيد سمير حليله، الرئيس التنفيذي لباديكو القابضة، بأن شركاء "تميّز" يدرسون توسيع نطاق البرنامج ليشمل جامعات قطاع غزة بحيث يصبح برنامجاً وطنياً هو بوابة الخريجين نحو مستقبل ريادي زاهر من جانب، وتعزيز فرصهم في الحصول على وظائف لائقة من جانب آخر. وأضاف حليله بأن شركاء "تميّز" يعملون حالياً على توسيع قاعدة الشراكة في البرنامج من خلال دعوة مزيد من مؤسسات القطاع الخاص للانضمام إلى شراكة البرنامج؛ الأمر الذي يعطي "تميَّز" دفعة وزخماً عبر توسيع قاعدة الشركاء والطلبة المستفيدين، إضافة إلى إثراء البرنامج حتى يصبح "تميز" رافعة للتنمية الاقتصادية في فلسطين، مختصراً بذلك الكثير من الوقت والجهد والموارد التي يبذلها المشغلون لتأهيل وتدريب الخريجين.