الحدث ــ محمد بدر
حافظت المقاومة الفلسطينية على قواعد اشتباك ثابتة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من مسيرة العودة، والمقصود هنا المقاومة المسلحة وليس الشكل الشعبي منها. وتبنت المقاومة بشكل واضح معادلة القصف بالقصف ومن ثم أضيف للمعادلة معيار الدم. وكانت الجولة الأخيرة من القصف المتبادل في 8 آب الماضي، واعتبرت الأوسع منذ عدوان 2014، وحققت إصابات مباشرة في صفوف المستوطنين وصلت إلى 16 إصابة.
كانت الجولة الأخيرة كفيلة لتأخذ الأمور إلى اتجاهين متناقضين بنتيجة واحدة؛ تصعيد ينتهي بترتيب ومناقشات ومفاوضات تنتهي بترتيب، ووضعت الفصائل نسبيا ثقلها في موضوع الترتيب. وانطلقت مباحثات استمرت لأسابيع قبل أن تعود الأمور لمربعها الأول، وتعود المواجهة على شكلها الأول ما قبل معادلة القصف بالقصف؛ شبان يواجهون قوات الاحتلال على الحدود، تقنصهم "إسرائيل" وأحيانا تقصف طائراتها بعض مجموعاتهم.
والسؤال المهم: أين اختفت معادلة القصف بالقصف؟!.. مع دخول الأعياد اليهودية وجدت المقاومة نفسها أمام مطالبات مكثفة من قبل الوسطاء بتجنب التصعيد في فترة الأعياد اليهودية، من باب احترام التوقيت الديني لأطراف الصراع، وعدم التعامل مع هذا التوقيت كورقة ضغط، وكذلك لمنح المصريين فرصة للتباحث مع قيادة السلطة الفلسطينية حول الكيفية التي يمكن من خلالها حل الإشكالية المستجدة "المصالحة ــ التهدئة" .
ولكنه من المهم الملاحظة والضروري كذلك، أن "إسرائيل" مارست القتل والاعتقال حتى في أيام أعيادها، ولم تحترم هي بالأساس أعياد ما يسمى بمواطنيها اليهود، وهو ما كان يمكن اتخاذه سببا كافيا تبريريا لرفع سقف الاشتباك من الشعبي إلى المسلح ضمن نطاق محدد، وهو ما كان من الممكن أن يوّلد ضغطا وحرجا داخليا من سكان الجنوب على حكومتهم، ولكن ذلك لم يحدث، وأن يأتي بنتائج جيدة حتى لو كانت مؤقتة.
مع قرب انتهاء الأعياد اليهودية، نشطت الوفود الأمنية مرة أخرى. وفد مصري في غزة، ووفد إسرائيلي في مصر ودعوة مصرية لحماس، وعادت الحركة إلى سابقها ما قبل الأعياد، والأمر يتعلق هذه المرة في استعداد المقاومة للتصعيد العسكري بعد خروج اليهود من أعيادهم وغياب حساسية التوقيت، ومن خلال طبيعة الحراك وما يرشح عنه يبدو أنه حراك بأهداف تخديرية مؤقتة. لكنه من غير المتوقع أن تعود المقاومة لمعادلة القصف بالقصف قبل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة يوم الخميس القادم، حتى لا يتسخدم التصعيد كمادة تحريضية من قبل نتنياهو على الشعب الفلسطيني.
لكن شيئا تغير في المنطقة، بعد التصعيد الروسي الإسرائيلي. إن "إسرائيل" ستركز على صياغة استراتيجية منهجية نظرية بخصوص سوريا قبل الخروج للفعل، وستتعامل عمليا مع غزة وقد تذهب لتصعيد كبير للتغطية على فشل سياستها في سوريا والذي أدخلها في مواجهة مع دولة عظمى وكان ثمنها "اس 300" في سوريا؛ وبالتالي فإن شهية الإسرائيلي للمواجهة في غزة أصبحت أكبر، وستكون أكبر بكثير بعد انفضاض اجتماعات الجمعية العامة، ولعلّ التسريبات الإسرائيلية عن قرار ليبرمان إغلاق معبر كرم أبو سالم في بداية الشهر القادم؛ تمنحنا كلمة السر التي على أساسها ستبدأ المواجهة.