اللصوق في علم النفس، هو تعبير يقصد به التوقف عند مرحلة معينة من مراحل التطور السوي، ذي المراحل الأربع: مرحلة ما بعد الولادة، ومرحلة الطفولة، ومرحلة الصبا، ومرحلة البلوغ، فإذا ما توقف المرء في تطوره عند مرحلة من هذه المراحل ولم يتجاوزها إلى المرحلة التالية، عندئذ يقال إنه يعاني من هذه الظاهرة غير السوية التي تدعى اللصوق أو الاستغراق.
ههنا تماماً في عنفوان اللحظة الهاربة من مهرجان الداء المزمن، وقهقهات الفجيعة التي تكسر حالة الرتابة والملل، يمكن أن ننسج من المستحيل ودون شطط الإخفاق، خيوط الانهيار بهدوء وسلام، لنبني وطن الجماجم على الجماجم.
موضوعيا وبعيداً عن الصواب والخطأ، ولكوننا لسنا بحاجةٍ لقاضٍ، بل لمن يمثل دور القاضي، تعالوا لنبدأ من الآخر ونردد الدعوة بعد عقدين أو يزيد وراء الماغوط وهو يقول: إلهي، امنحني أرجل العنكبوت لأتعلق أنا وكل أطفال الشرق بسقف الوطن لتمر هذه المرحلة. نعم يمكننا أن نتعلق بأرجل العنكبوت، مادامت أرجل حكومتنا مصابة بهشاشة عظام لا تحمل نفسها كي تحملنا. والسؤال كيف ستحملنا وهي من غرقت معنا في عاصفةٍ أعلنت بعض مؤسساتها الخدماتية جاهزيتها التامة لاستقبالها والتعامل معها؟ كيف ستحملنا وثلاث محافظات كبرى أعلنت كلٌ منها منفردة اعتبار المحافظة، محافظة منكوبة تعرضت لكارثة طبيعية، وهي لا تدري ما معنى الكارثة الطبيعية، وماهية تبعاتها التي تعني فيما تعني سقوط الحكومة وإن لم تسقط؟ كيف ستحملنا وطلاب مؤسساتها التعليمية باتوا كمعلميهم، في محلِ هياجٍ وترقبٍ وانفعال، دفعهم لعشق الإضراب ونبذ الدوام؟ ما الذي ستحمله هذه الحكومة لتحمل، ونحن من خرج من غابة البنادق إلى غابة القبائل والمناطق، فبات الكلُ ضدَ الكلِ في حربِ بسوسٍ جديدة؟ منْ سيُؤمن بها أو بنا أو بأبجديةِ البقاء، والكل يكفر بدينِ الديمقراطية، والدساتير والقوانيين والأنظمة، ليؤكدَ في نشوةِ الانتصار الكاذب، أنه ليس شرطاً أن ينسحبَ شتات الجغرافيا على اشتباكاتِ التاريخ لنبني الوطن؟
أظن ولا إثم في مثل ظني، أن أحداً منا لا يمكنه تبرير حالة الفوضى العارمة التي نسجلها في الخانة العشرية من نكباتنا المتتالية بانحرافنا عن الدرجة المنفرجة للبوصلة، دون أي مبرر يذكر سوى دعم الاحتلال، محرك الفتن الأول والأخير، وما موقف اللا موقف الذي تتخذه بعض قياداتنا لتبرير حالة التيه، إلا هروباً واضحاً ومعلناً من المسؤولية التي تقع على عاتق كل منا في مكانه وزمانه وبأدواته، ما يعني الاستقالة الجماعية والفعلية من مهمة التأثير في الواقع، وكأننا تعودنا تبديد طاقتنا في إيذاء أنفسنا بأنفسنا، فتجمدنا في عنفوان اللحظة المنهارة، لنعود من حيث ابتدأنا إلى ما قبل اللصوق المُرعب بالمتر المربع، والدولار المكعب اللذين رضينا بهما، ولم يرضَ بنا