الحدث- علا عطالله
أنامل صغيرة لفتاة تبلغ من العمر 12 عاما تمُسك بآلة "الناي" الموسيقية، وتنفخ الهواء في ثقوبها أكثر من مرة، في محاولة لتعلم العزف، وتكوين الألحان لأغانٍ شعبية ووطنية.
وإلى جوار تلك الفتاة، تمسك أخريات بآلات مختلفة وعديدة، داخل غرف معهد "إدوارد سعيد"، وهو المعهد الوحيد لتعليم الموسيقي في قطاع غزة، المحاصر إسرائيليا، للعام الثامن على التوالي.
ولا يبدو تعلم الموسيقى والعزف على أكثر من آلة مشهدا مألوفا بالنسبة لمجتمع محاصر، ومحافظ، غير أن المصورة الفرنسية مونيك جاك، حاولت أن تبدو هذه الصورة وغيرها طبيعية، وعادية في فيلم يكشف "الوجه الآخر لغزة".
وجاك التي أقامت لأشهر طويلة في القطاع المحاصر، أرادت لكاميراتها أن تبتعد عن الألوان القاتمة لغزة، والتي خلّفتها الأوضاع المعيشية الصعبة، بالتزامن مع تداعيات 3 حروب شنتها إسرائيل.
وتقرر المصورة الفرنسية، خلال فيلم وثائقي قصير أنتجته، مؤخرا، أن تبحث عن الوجه الآخر لمدينة الموت، فتدور عين كاميراتها لتلتقط صورا لفتاة تبلغ من العمر (14 عاما)، وهي تتزلج على أمواج بحر غزة.
هذه الفتاة اسمها صباح أبو غانم، تتمنى أن تنافس في مسابقات عربية ودولية للتزلج، وتقول إنها واثقة من الفوز.
كما تقترب الكاميرا من الشابة هديل أبو شعر (25 عاما)، وهي من الفتيات القلائل اللاتي يجدن الغناء.
ومن كرة السلة، إلى مرح الفتيات في المدارس، وعلى شاطئ البحر، تحاول جاك أن تخرج بمشاهد مغايرة عن تلك التي يراها العالم يوميا لغزة.
وهذه المشاهد، تحمل رسالة "الحياة، وعدم الانتماء للموت والحصار"، كما يقول أشرف المشهراوي المخرج الفلسطيني، ومدير شركة "ميديا تاون" للإنتاج الفني بغزة.
وقال المشهراوي، إنّ "العديد من المصورين الغربيين، وبعد مكوثهم لفترات طويلة في قطاع غزة، آمنوا أن ثمة وجها آخر لغزة يجب الكشف عنه".
وتابع: "صحيح أن هذا الوجه خجول، لكنه جميل، وقوي، وبالمقارنة بسهولة التقاط الصور الداكنة، والحزن، والموت، فهي أشياء يومية في قطاع غزة، بات من الصعب أن نعثر على الصور الجميلة، وعن الحياة التي يصنعها الأطفال والشبان والنساء".
وسبق لشركة ميديا تاون أن أنتجت العديد من الأفلام التي تروي قصة الوجه الآخر للقطاع المحاصر، من بينها فيلم "يلا إلى غزة"، والذي تم إصداره كنتاج للصداقة والتوأمة بين مدينة ترومسو النرويجية، وغزة.
وأضاف المشهراوي: "الفيلم يروي باللغتين النرويجية، والعربية حياة الصيادين في القطاع، بعيدا عن الهم اليومي، إذ تلتقط الكاميرا صورهم، وهم يضحكون، يحتسون الشاي في الصباح الباكر، يفرحون بما التقطوه من رزق".
وفي الفيلم يلهو الأطفال على شاطيء البحر، فيما تحلق إلى أعلى الارتفاعات طائراتهم الورقية.
ومؤخرا، بدأت تخرج إلى النور العديد من الأفلام القصيرة، والوثائقية، التي ترصد الحكايات والتفاصيل اليومية لأناس يعيشون تحت الحصار، ولكنهم لا زالوا قادرين على انتزاع الفرح، والحياة.
ويرى طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية الصادرة من مدينة رام الله، أن "مثل هذه اللقطات، والأفلام الوثائقية، هي رسالة من غزة إلى العالم بأن هذه المدينة المحاصرة منذ عقد تستحق أن تعيش بفرح، وأن يكون وجهها الأبرز هو الحياة، بعيدا عن مشاهد الدماء والموت".
وأضاف عوكل، أن "العالم مطالب بالإنصات لوجع غزة، وجرحها، وفي ذات الوقت أن يتعرف على الوجه الآخر لهذه المدينة".
وتابع: "الأطفال وهم يلعبون بالكرة، ويحلمون أن يصبحوا مثل (ليونيل) ميسي (مهاجم نادي برشلونة الأسباني)، وآخر يريد أن يصبح عازفا، وفتاة تريد أن تصل إلى الفضاء، هذه الصور تقدم صورة الصمود، والبقاء، وأن العالم مطالب بدعم السكان القابعين في أكبر سجن مفتوح في العالم".
ويدعو عوكل، إلى "التقاط صور جميلة لغزة، حتى وإن كانت خجولة"، وفق قوله.