اصطحبت أمي يوم الخميس المنصرم إلى طبيب صدريات مشهور في مدينة البيرة، وإذ به في حالة عصبية ظاهرة تماما على وجهه وإن كُنتَ تراه للمرة الأولى فإنك تستنج ذلك، وبعد الفحص الطبي، طلبت منه أن يهدأ فأجابني " بدك ياني اهدأ بعد كل هالنصب"، ليتبين أنه وفي يوم واحد تعرض لحالات من النصب المختلف كان أولها من امرأة خمسينية أنيقة ومن عائلة كبيرة فبعد أن فحصها أخبرته بأنها ستجلب المال (الكشفية) من السيارة، فخرجت ولم تعد، كما زاره بنفس اليوم حاج من ميدنة الخليل كما روى ومعه شابة ترتدي جلبابا فبعد أن انتهى من الفحص وأخذ الوصفة الطبية أخبره أنه لا يملك المال، أما الحالة الأخيرة فكانت من قبل شابة جميلة في بداية العشرينات كما وصفها ترتدي ثيابا أنيقة وتصفف شعرها بطريقة جاذبة، قدِمت إليه وأخبرته أنها خِريجّة طب صيدلي من جامعة بيرزيت وبعد حديث بينهما طلبت منه 25 شيقلا لتتمكن من العودة إلى المنزل، في الحقيقة سأركز على الحالة الأخيرة لأني لامستها بأُمِ عيني في أكثر من محال تجاري وبطرق مختلفة وحتى في الشارع، تقترب منك فتاة جميلة بملابس أنيقة لتطلب منك المال للعودة إلى المنزل منهن من يخبرنك بأنهن لا يملكن المال، ومنهن من تدعيّ أنها تعرضت للسرقة أو نسيت محفظتها في مكانٍ ما، وهكذا فيطرقن أبواب المحال التجارية وأفئدة المارة لعلهن يجدن تعاطفا معين، لأنك وللوهلة الأولى تسبعد تماما أنها سُبُل تسول.
في الحقيقة يتجاوز الأمر ذلك ليشمل (فئة من المرضى) وأيُ مرضى!!! إنهم مجموعة ممن قدموا من الشق الحبيب من الوطن (غزة) ويورونك هوياتهم لتحظى بالتعاطف، حيث يتوجه البعض منهم طارقاً أبواب المسؤولين والأجهزة الأمنية بحجة عدم توفر المال معهم للعودة إلى قطاعنا الحبيب، وبعد أن يأخذن ما فيه النصيب هن نفسهن إن كانوا نساءً ونفس الأشخاص إن كانوا رجالا تجدهم في بقية المكاتب، وكأنها حملة منظمة أو زيارات ضمن برنامج معد مسبقاً، وأيضا شاهدت هذا الأمر بعيني في زيارة أحد المكاتب الرسمية التي تَعَرَّفَ فيها أحدُ الحاضرين وهو من جهاز آخر على نفس الوجوه السائلة وسألهن أمام الكل ألم يعطيكن فلان ظرفاً بالأمس يكفيكن لمدة شهر؟؟؟ وماذا تفعلن هنا؟ أليس من المفترض أنكن في غزة الآن!!!!
غزة العزة ليست متسولة ولا يمثل هؤلاء قطاعنا الحبيب، لكن الفئة القليلة السيئة تُعمم وتُشكل صورة نمطية مسبقة عن الجميع للأسف، والموضوع لا يرتبط بغزة أو الضفة ولا ينطوي تحت بند الانقسام وإن كان سبباً في معظم مصائب القطاع، لكن الموضوع أشمل وأكبر لأن تلك الحالات آنفة الذكر موجودة في كل أقطاب الوطن، وتدفعك بشدة للتساؤل ما الذي يدفع الجميلات واللاتي يظهرن بكامل حُليهن للتسول بهذه الطريقة الأنيقة؟؟؟ وهن في مقتبل العمر ويُفترض أن كل الأبواب مفتوحة لهن خاصةً الخريجات الجامعيات في الضفة الغربية التي تتوفر فيها فرص العمل بشكل عام وإن كان البيع في المحلات أو في الفنادق والمطاعم والمقاهي وما أكثرها وعادةً ما تضع إعلانات هنا وهناك.
مجموعةٌ من الأسئلة يطرحها الشاهد والمُعايش لتلك المواقف ومن أهمها، لماذا يتوجه البعض إلى التسول؟ وهل المال المحصَل من خلاله أكثر من ذلك الذي يحصل عليه المرء فيه أي عمل منظم؟ وكيف للشابات وهن في أوج جمالهن وشبابهن أن تحفظن كرامتهن وهن يتسولن؟ وهل يعرف أهالي الشابات أن بناتهن يتسولن؟ وماذا يقلن الفتايات لأهاليهن للخروج من المنزل هل هن في جولة بحث عن العمل؟ أو أنهن يخرجن بمعرفة من قبل الأهل عن التسول الأنيق؟ وهل يرتبط هذا السلوك بأشياء نفسية لدى المُتسول أو فقط بالوضع المالي؟؟ ولماذا يعتبر المتسولون التسول أسهل من العمل؟ هل لأنه خالٍ من القيود فلا أوقات حضور ولا أوقات مغادرة و لايرتبط بإجازات ولا مسؤوليات؟ أم أن السبب هو عدم وجود فرص عمل؟ هل التسول آمن ولا يشكل خطرا على المتسول سواء أطفالا أو نساءً؟ وهل يحتاج ما سبق دراسة أم هي حالات فردية لا تندرج تحت بند الظاهرة ليتم دراستها؟