الحدث الثقافي- كريم سرحان
في كتابه الجديد "الهوية"، يجادل الفيلسوف الأميركي، الياباني الأصل، فرانسيس فوكوياما، ومؤلف كتاب «نهاية التاريخ» الذي نشره عام 1992، بأن الرغبة في الاعتراف بكرامة الفرد متأصلة في كل كائن بشري، وهي ضرورية لديمقراطية قابلة للحياة والتطور.
وبالاعتماد على روسو، ولوثر، وهيجل، وكانت، نشر فوكوياما عام 2014 كتاب «النظام السياسي والاضمحلال السياسي»، الذي قال فيه إن المؤسسات الأميركية تعاني من الاضمحلال، وذلك بسبب «الاستيلاء تدريجيا على الدولة بواسطة لوبيات المصالح القوية». وبدا وكأنه في تلك المرة صار قادرا على قراءة المستقبل (وليس التاريخ) الذي فشل في قراءة نهايته في وقت سابق.
في كتابه الجديد يقدم فوكوياما لمحة تاريخية تقود إلى المفهوم الحديث للهوية التي تتشكل وتتكون من "الثيموس" وهي "تقدير الذات وعزة النفس"، وهي "سمة عالمية للشخصية البشرية التي تتوق إلى الاعتراف"، والإيمان بالتمييز بين الذات الداخلية والخارجية، ويقدم مفهوما متطوراً للكرامة العالمية.
ويقول فوكوياما "إن توسيع مفهوم الكرامة وإضفاء الطابع العالمي عليها يحول المسعى الخاص نحو الذات إلى مشروع سياسي". و يعزو المؤلف الصعود المعاصر لسياسات الهوية إلى توق شديد "من أجل الاعتراف المتساوي من قبل الجماعات التي تم تهميشها من قبل مجتمعاتها". هذه المجموعات، التي حشدها الزعماء السياسيون حول فكرة أن كرامتهم قد تم الاستهانة بها أو تجاهلها، تغذي "السياسة"، ولا يرى فوكوياما أي خطأ في سياسة الهوية، ما لم تهدد هويات الجماعة الأضيق إمكانية التواصل والعمل الجماعي، أو تعريف نفسها بـ "هويات وطنية أكثر تكاملاً" والتي هي ضرورية للمجتمعات الديمقراطية.
ويقول الكاتب: "بأنه يمكن أن يُنظر إلى كل من القومية والإسلام" على أنها نوع من سياسة الهوية. وهو يُخطئ اليسار لفشله في بناء التضامن حول المجموعات الكبيرة (الطبقة العاملة على سبيل المثال) والتي ركزت على "الكل الأصغر " في المجموعات المهمشة.
ولمواجهة هذا التشرذم، يرى فوكوياما أن الحل يكمن في تشكيل الهوية بطريقة تدعم الديمقراطية، بدلاً من أن تقوضها، فالهوية الحقيقية هي «الهوية الإنسانية العالمية»، والتي تعتمد على الاعتزاز بها (لا بهوية قبيلة، أو عرق، أو دين)،و ينصح فوكوياما بأن أن تصبح التربية المدنية الأساسية جزءاً قوياً من التعليم العام لتشجيع المواطنين الواعين المنفتحين.
وفي مقابلة إذاعية قال فوكوياما، في شرحه لعلاقة تأثير الهوية في السياسة الأمريكية اليوم، إن المشكلة الحقيقية في السياسة الأمريكية هي "أننا تحولنا من الجدل حول السياسات الاقتصادية إلى الجدل حول الهويات، إذ لديك عدد من الهويات المتجذرة، حيث لا يمكنك للأسف التوصل إلى حل وسط أو التفاوض. فهي قائمة على الطريقة التي ولدت بها، ولا يمكنني تغيير ذلك، وهكذا تكون عالقًا بهذه الهوية. وأعتقد أن هذا أمر مضر للغاية بالنسبة للسياسة الديمقراطية، لأنه يجعل التواصل والمناقشة والتسوية أكثر صعوبة كما أنه يؤدي إلى تآكل المعتقدات الضرورية والمعمول بها والتي تعتبر ضرورية للحفاظ على الديمقراطية."
ويضيف فوكوياما، إن كراهية الأجانب والعنصيرية هي أمر متجذر لدى الأمريكيين لفترة طويلة، ويضيف: "أظن أن ما هو فريد في هذه اللحظة هو أن الكثير من الناس من الوطنيين اليمينيين البيض، قد اقتبسوا تأطير سياسات الهوية اليسارية ليقولوا "نحن البشر البيض أقلية مضطهدة". هذا شيء أعتقد أنه جديد تماما في سياستنا."
ويقول فوكوياما: "إن ضياع الكرامة في سياسة الهوية الأمريكية كان هو الشيء وراء التصويت لترامب، وأن الكثير من أفراد الطبقة العاملة الذين فقدوا وظائف، والذين لم يكونوا يعيشون في المدن الساحلية، وغير مرتبطين بالاقتصاد العالمي - باستثناء أنهم كانوا ضحية له - شعروا ببساطة أنه تم تجاهلهم من قبل النخب التي كانت تبلي بلاء حسناً. وأعتقد أنه يعكس التباينات الاقتصادية الأساسية التي ظهرت على مدى السنوات الثلاثين الماضية كنتيجة للتقدم في التكنولوجيا والعولمة. وهكذا، فإن الادعاء الحقيقي، كما أعتقد، كان غير مرئي للأشخاص الذين كانوا جزءًا من النخبة.
ويضيف أنه وللخروج من هذا المسار فإنه علينا أن ندرك: "أننا في الواقع لم نولد مع هويات. هوياتنا ليست بالضرورة بيولوجية. نحن نقوم ببناء الهويات طوال الوقت، وأعتقد أن إحدى المهام هي إعادة بناء هوية وطنية أمريكية مفتوحة للجميع، مرتبطة معاً على أساس المبادئ السياسية - مثل الدستور، مثل سيادة القانون ، مثل مبدأ المساواة وإعلان الاستقلال. هذا هو نوع الهوية المبنية التي نحتاجها كمضاد للأنواع الاستقطابية التي سقطت سياستنا فريسة لها.