الحدث - هداية الصعيدي
لا تكاد تمّر عدة أيام، حتى يعلن موظفو غزة، الذين عيّنتهم حكومة "حماس" السابقة، إضرابًا جزئيًا أو كليًا، من وقت إلى آخر، يشل عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية، والحياة العامة، مطالبين من خلاله حكومة الوفاق الفلسطينية، بـ "الاعتراف بشرعيتهم"، وصرف رواتبهم الشهرية.
لكن خبيرين فلسطينيين، استبعدا أن تجد هذه الإضرابات المتكررة، صدىً يُسمع، في ظل ما وصفوه بـ "تهرب" حكومة الوفاق من مسؤولياتها تجاها قطاع غزة، منذ توليها لإدارة الحكم، لأسباب سياسية بحتة، تتمثل في الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس"، والمصالحة "المجمدة".
ونفذ موظفو غزة الذين يبلغ عددهم نحو 40 ألف موظف، إضرابًا كليًا وجزئيًا خلال الأسبوعين الماضي والحالي، ومن المتوقع أن ينفذ هؤلاء الموظفين، إضرابًا جديدًا الأربعاء المقبل.
ومن الصعب أن تؤتي هذه الإضرابات ثمارها في الوقت الحالي، كما يرى هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية، في الجامعة الإسلامية بغزة.
ويقول في حديث مع مراسلة "الأناضول":" رغم أن الاضرابات وسيلة مشروعة لهؤلاء الموظفين، فإنها لن تجدي نفعًا، في ظل الموقف الواضح من السطلة الفلسطينية وحكومة التوافق، بأنهما غير معنيّتان كثيرًا في إيجاد الحلول للأزمات التي تحيق بالقطاع".
واستدرك:" عدم الاهتمام بشؤون غزة، منذ تولي حكومة الوفاق مهامها قبل نحو 6 أشهر، نابع من أن هناك توجه سياسي يفرض عليها بعدم التعاطي مع غزة".
وتوقع البسوس أن تتجه الأوضاع صوب الأسوأ، دون أن تلوح في الأفق حتى اللحظة أي بوادر للحل.
ولإحراج حركة "حماس"، أمام الشعب الفلسطيني، والعالم، فلن ترضخ حكومة الوفاق لمطالب موظفي غزة، مما قد يزيد المدة الزمنية لإضراب الموظفين، وفقًا للبسوس.
ويقول:" بعض الجهات ترغب في إظهار حماس أنها المسؤولة عن تردي الأوضاع، وتفاقم الأزمات التي يعاني منها القطاع، لهذا لن تتعاطي مع أزمة الرواتب".
وتلقى موظفون بحكومة حماس السابقة في قطاع غزة، نهاية شهر أكتوبر/تشرين أول، الماضي دفعات مالية من رواتبهم المتأخرة، تقدر بـ1200 دولار أمريكي لكل منهم، تبرعت بها دولة قطر.
واقتصرت الدفعات المالية على موظفي الوزارات المدنية (نحو 24 ألف موظف مدني)، واستثني منها الموظفين الأمنيين التابعين لوزارة الداخلية الذين لم يتلقوا أي دفعات من رواتبهم منذ حزيران(يونيو) الماضي.
وفي العاشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، الماضي، تقاضى الموظفون العسكريون، في حكومة غزة السابقة، نصف راتب، قالت مصادر مطلعة، إن حركة "حماس" وفرتها من الإيرادات المحلية.
وتقاضى العسكريون أيضًا، في الـ 14 ديسمبر/كانون أول الجاري، نصف راتب شهري، بحد أدني 300 دولار، وأعلى 500 دولار أمريكي.
ولو تسببت هذه الإضرابات بشلل كامل في كافة مناحي الحياة، لقرابة مليوني مواطن يقطنون القطاع، وألحقت بهم كارثة إنسانية لا تحتمل، فإن "تدخل على استحياء"، ستقدم عليه حكومة التوافق، كما يرى البسوس.
غير أنه توقع أن تُقدم حركة "حماس" على جمع بعض التبرعات، وتوزيعها على موظفي قطاع غزة من حين إلى آخر، حتى لا يضطر العاملين، إلى الاستنكاف تماما عن العمل، فتلجأ حكومة الوفاق لإحلال الموظفين المستنكفين عن العمل، التابعين لحكومة رام الله السابقة، مكانهم، وهو الأمر الذي استبعده البسوس.
وعقب أحداث الانقسام الفلسطيني، في منتصف عام 2007، الذي أدى إلى وجود حكومتين الأولى في غزة، وتابعة لحكرة حماس، الثانية في رام الله وتابعة للسطلة الفلسطينية، طلبت الأخيرة من موظفيها في غزة، بعدم الذهاب إلى أعمالهم، مما دفع حماس لتسليم الوظائف، لموظفين آخرين تم احتسابهم عليها.
ولا يعتقد طلال عوكل، الكاتب في صحيفة الأيام المحلية، الصادرة من مدينة رام الله، أن تجدّ الإضرابات المتكررة آذانًا صاغية لها.
ويقول لمراسلة "الأناضول":" لقد أخذت الاحتجاجات منحىً أكثر فوضى من الاضرابات، من ذي قبل، تمثل في إغلاق البنوك، وتحطيم المصارف، ومنع موظفي قطاع غزة، نظائرهم من موظفي حكومة رام الله السابقة من استلام رواتبهم أسوة بهم، ورغم ذلك لم يتم إنهاء هذه القضية".
وتابع:" هذه أزمة سياسية بحتة، ناتجة عن الخلافات بين حركتي فتح وحماس، وبالتالي لن تستطيع حكومة الوفاق الوطني اتخاذ أي من الإجراءات لحلّها، طالما أن الخلافات قائمة بين الحركتين".
وإن تجاوزت هذه الإضرابات، السلمية إلى الفوضى، فأيضًا لن يحظى الموظفون بحقوقهم، كما يرى عوكل، مضيفًا: أن" الحل نابع من قرار سياسي، قائم على اتمام المصالحة بين فتح وحماس".
وأكمل:" قد يطول السقف الزمني لهذه الإضرابات، فالموظف لا يملك خيارًا آخرًا، فهو لا يجد العائد المادي الذي يسدّ متطلبات حياته، لكي يدفعه ذلك لتعليق الإضراب".
وستشل هذا الإضرابات كافة مناحي الحياة للمواطنين في قطاع غزة الذي يعاني أساسًا من تردي الأوضاع المعيشة فيه، بسبب الحاصر المفروض عليه منذ نحو ثماني سنوات، وفق عوكل.
وتحاصر إسرائيل غزة، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي.
وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي "حماس" عن حكم القطاع، مع الإعلان عن حكومة الوفاق الفلسطينية في 2يونيو/حزيران الماضي، التي أنهى تشكيلها قرابة الـ 7 سنوات من الانقسام، إلا أن الحكومة لم تباشر مهامها في قطاع غزة بشكل فعلي، حتى الآن، وهو ما يعيق دفع المصاريف التشغيلية للمؤسسات الحكومية في غزة.
من جانبه، أكد محمد صيام، رئيس نقابة موظفي القطاع العام في قطاع غزة، (المقربة من حماس")، أن نقابته ستسمر في سياسية الإضراب، حتى تحل مشكلة الموظفين بدمجهم وصرف رواتبهم".
وقال صيام لمراسلة "الأناضول":" لن نتوقف عن تنفيذ سلسلة من الاحتجاجات والاضرابات، حتى تتحقق مطالبنا".
الأناضول