تستهوي الشبانَ والشاباتِ عادةً في أعمار معينة أمورٌ كثيرةٌ منها الخروج مع الأصدقاء لساعات طويلة، السفر والرحلات، المغامرات الطريفة وأحيانا الخطيرة، التوجه نحو حزب معين لفترة معينة، اتخاذ بعض الشخصيات والرموز والفناين قدوة لهم وتقليدهم، وأمور ثانية.
ولكن ومنذ أن طل علينا الانترنت بهذ الشبكة العنكبوتية المتعددة الأطراف، تغيرت إلى حدٍ ما سلوكيات الأشخاص بشكل عام والشباب بشكل خاص، أما عن الأشخاص فتوجه الكثيرون نحو الانترنت لإيجاد ضالته في محركات البحث كلٌ حسب ميوله الفكرية والأيدلوجية، فالبعض يبحث عن موضوع يحبه، والبعض يبحث عن أمر هو متعطش له بغض النظر عن كونه سلبيا أم إيجابيا، وأيضا وجد الدارسون والباحثون عن المعلومة ما يشبع فضولهم، كما وجدت أيضا الزوجات وربات البيوت أمورأ كثيرة يتعلمن منها كتزيين المنزل، وإعداد ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، وغطى الاقتصاديون والسياسيون ورجال الدين والفنانون مساحةً واسعةً من الظهور والانتشار والتوسع والمكاسب المالية وغيرها، وتوجه البعض طبعا نحو ما لا تحمد عقباه مثل العمل غير القانوني وترويج البضائع والسلع الممنوعة وبث الفكر الإرهابي وتجنيد الأطفال ونشر ثقافات مدمرة من جهة، ومن جهة أخرى العكس بمعنى السقوط كضحايا (ذكور وإناث) في عصابات التعاطي والدعارة وبيع الأعضاء و.....الخ.
تحدث العديدون عن مخاطر الانترنت وعن أضرار مواقع التواصل الاجتماعي وهي أهم مفرزات الانترنت، ولها ما لها من مزايا وعليها ما عليها من مضار اجتماعية وسلوكية وجسدية، وأفردت الدراسات العلمية والاجتماعية مساحةً لا بأس بها لدراسة الظواهر المنبثقة عن تلك المواقع مثل العزلة الاجتماعية وتفكك الروابط الأسرية وخلخلة النسيج الاجتماعي المتماسك، واستبدال البعض الواقع بالعالم الافتراضي لأسباب كثيرة منها حرية التعبير التي يعجز عنها الكثيرون في أرض الواقع، والملل من الحياة الاعتيادية، وفك المحظور و....الخ.
لا ينكر أيٌ منا أهمية مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة ومُنتجات التكنولوجيا على اختلافها، ولست الآن في صدد استعراض المزايا والعيوب، لكن تَعلُق البعض الكثير من مستخدمي الانترنت والهواتف الذكية بتلك المنتجات أصبح يلفت انتباهي كثيرا في معظم من أقابلهم، حيث الكل منشغل بهاتفه الذكي وبالكاد يتفاعل معك، أما الأكثر شداً للانتباه، هم أولئك الشبان الذي يرتدون سماعات في آذانهم ويتحدثون مع أنفسهم بأصوات عالية ولغات أخرى وبمصطلحات غريبة، في الواقع إنهم لا يتحدثون مع أنفسهم كما تظن لوهلة بل هم يلعبون مع أشخاص آخرين من دول أخرى وقارات، يلعبون معهم بعض ألعاب الانترنت ويتفاعلون معهم نحو قتل فلان وتحطيم المبنى الفلاني وملاحقة ومطاردة مرة في المافيا ومرة في الجماعات الإرهابية ومرة في المصانع وغيرها فالقائمة طويلة، تراهم منفعلين لايسمعونك إن حدثتهم ولا يلبون نداءً إذا احتجتهم، وهم يقضون ساعات طويلة وطويلة على حساب حياتهم اليومية (الدراسة والعمل والتفاعل مع الأسرة والأصدقاء الحقيقين)، ربما الأسباب كثيرة وعديدة وتحتاج إلى دراسات علمية وتطبيق التوصيات ومخرجات التغيير وإيجاد البدائل المفيدة للعقل البشري الذي بعد أن كان يفكر أصبح ينفذ تعليمات أصحاب الألعاب وأطرافها وبات معظم تفكيره وطاقاته مهدورين فيما لا يستحق.
والأمر الخطير بكل ما سبق أن هذه الألعاب لا تبث إلا العنف ومنها ما ذاع صيته في الانتحار والقتل وتنفيذ أوامر غريبة عجيبة شاذة عن سلوك الإنسان الطبيعي السوي وتطبيق كل الأوامر المشينة على أرض الواقع في بعض الألعاب، أما تلك التي تُنفذ تعليماتها فقط داخل الشاشات في أحسن أحوالها زرعت قيم العنف والعدائية في شخص اللاعب ما سيصبح جزء من شخصيته من دون قصد، والمستفيد الأكبر هم صناع هذه الألعاب لما تجنيه من أموال من أقطاب العالم بتزويد عناصر الجذب والإثارة وتوظيف التكنولوجيا لضم مشتركين جدد.
علينا جميعنا الانتباه إلى أبنائنا وأصدقائنا ومحاولة إشغالهم بأمور أخرى مفيدة ومحببة لهم وإنقاذهم من مربع العنف والدمار، فما نعيشه في حياتنا السياسية والواقعية يكفي ويسد، واعتقد أن المبدعين في مجال الكمبيوتر والتكنولوجيا والإبداع يجب كسبهم وتحفيزهم في تصنيع ألعاب بديلة فيها قيم الخير والحب وتجميل البيئة والتعاون، نعم الأمر مكلف ربما على الجهات المسؤولة التي يتوجب عليها القيام بواجبها نحو المجتمع والمحافظة على أفراده واستغلال طاقات الشباب فيما هو مفيد لها ولهم، نعم ربما أيضا مكلف على صناع الاقتصاد والتكنولوجيا لكنه لن يكلف أكثر من فقد الأرواح البشرية.