الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سيجارة المطارد وأسطورة الأمن الإسرائيلي (فيديو)

2018-10-10 05:11:49 AM
سيجارة المطارد وأسطورة الأمن الإسرائيلي (فيديو)

الحدث ــ محمد بدر

على امتداد الصراع بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، كان لظاهرة المطاردين أبعاد أمنية وسياسية وثقافية وإنسانية وقانونية، وقد استطاعات هذه الظاهرة أن تحبط نظريات التفوق الإسرائيلي الأسطورية بشكل مستمر، ففي مقابل محاولات أسطرة العمل الاستخباراتي الإسرائيلي في الوعي الجمعي الإسرائيلي والفلسطيني والعربي، استنادا لأسطورتي القوة (الجيش الذي لا يقهر بعد تأسيس الدولة) وأسطورة ذكاء اليهودي وتفوقه (قوة الابتكار الإسرائيلي ودقة المخابرات الإسرائيلية في عملها)، ظل المطارد الفلسطيني والعربي عقبة أساسية يعرقل التخيلات الإسرائيلية، بل وترسخت صورته عند الإسرائيليين كأسطورة، ولإيمانهم بأسطورية أذرعهم الأمنية، فإنه من التلقائي الإيمان بأسطورية المطارد كونه يعبر عن حالة فشل للمنظومة الأمنية.

لذلك، فإن الكثير من النماذج أصبحت رموزا لدى طرفي الصراع، كالمهندس الشهيد يحيى عياش والمطارد محمد ضيف والشهيد عماد مغنية والشهيد مصطفى بدر الدين والشهيد علي حسن سلامة (قاد العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم) والسيد حسن نصرالله الذي كان الوصول له وما زال هدفا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية وكان الوصول له هدفا معلنا في عدوان عام 2006 على لبنان. وفي محاولات “إسرائيل” للهروب من الفشل، بدأت الدعاية الإسرائيلية تحاول طرد الهزيمة وسدّ الفجوة بين ما هو متخيل وبين ما هو كائن، فبدأنا نسمع عن نفق محمد الضيف ومخبأ السيد نصرالله بشكل مستمر، ومع ذلك فإن التبجح الإسرائيلي لم يمنع من امتصاص أو استباق الهزات التي أصابت الوعي الجمعي الإسرائيلي.

إن "إسرائيل" تدرك أهمية السرد في تكريس حالة الخوف والقوة، لذلك فإن غالبية الكتب التي تروي قصص المخابرات الإسرائيلية تحاول تصوير الانفعالات واللحظة، وإنعاش المتلقي بكم هائل من الصور يؤدي تراكمها إلى طرح أسئلة إشكالية حول الأنا والآخر، وليس سرا أن السارد يستعين بسلطته السردية لتمرير أفكاره وصوره حول الأنا والآخر، خاصة وأنه يمارس سلطة المعلومة وسلطة التحكم بالانفعالات وتشكيل الأسئلة والجدليات وصولا لبناء الذهنيات من خلال التراكم.

الرواية المخابراتية في مسارين

لذلك، فإننا نجد الامتداد السردي للرواية المخابراتية الإسرائيلية حول عمليات المطاردة يسير في مسارين سرديين: الأول: هو الذي يعبر عن الأنا ويعكس صورة لشخصية قوية دقيقة واعية نافذة تأتي بالمعجزات، والثاني: هو الذي يعبر عن "الآخر" أو "الهو" ويعكس صورة لشخصية مهزوزة خائفة غبية تصدّق كل شيء وتنخدع بكل شيء وتؤمن بالصدفة. لذلك فإن الترجمة الحرفية للكتب التي تتحدث عن عمليات المخابرات الإسرائيلية؛ هي ترجمة تؤدي غرضها الإسرائيلي في الوعي الفلسطيني والعربي، إلا إذا تم نقدها. من الأمثلة على ذلك قصة نقلناها من كتاب إسرائيلي عن اغتيال مجموعة كاملة للجيهة الشعبية في بيت لاهيا في 1971، لكن وحتى اللحظة وبعد بحث أشهر لا أحد يؤكد هذه القصة بدراميتها العالية التي طرحت فيه.

وتكشف طريقة تعاطي ما يسمى بالقضاء الإسرائيلي مع قضايا مساعدة المطاردين (الأشخاص المتهمين بمساعدة المطاردين)، وتصنيف هذه القضايا في المحاكم بالأساس تحت بند "الإضرار بأمن المنطقة"، وليس تحت بند "عرقلة الإجراءات القانونية"، أن الإجراء القانوني بحق المطارد وإحضاره للمحكمة آخر أولويات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، على عكس ما يتحدث به قادة "إسرائيل". إذا، فإن الهاجس الأكبر بالنسبة للإسرائيليين في وجود المطارد حرا طليقا هو هاجس خوف، وعلى هذا الأساس تنتقم"إسرائيل" ممن يقوم بتقديم ولو كأس ماء للمطارد، ليصبح الماء والهواء أمنيا في عالم "إسرائيل"، وليُتخيل كم أن ماء المطارد خطر على "إسرائيل" وطعامه وسيجارته وقهوته. ولكن ورغم كل محاولات تفكيك الحاضنة الشعبية للمطارد من خلال محاكمة مساعديه، إلا أنه ظل اختبارا ناجحا نسبيا للجماهير.

عملية مطاردة متبادلة

في أكتوبر 2013؛ أي قبل 5 أعوام من الآن، خضعت لاستجواب بشبهة مساعدة أحد المطاردين، قال لي ضابط المخابرات خلال الاستجواب: "إنني أحاول تفكيك تفاصيل 11 شهرا (فترة المطاردة) من الخوف عشناها.. كنت أتوقع في أي لحظة أن يتصل بي الجيش ويبلغني عن عملية تفجيرية أو إطلاق نار، هل تعلم أنني عندما كنت أنام، كنت أتوقع أن أصحو على اتصال يبغلني بأن عملية ما حدثت". ولعلّ لسان الضابط نطق بعكس السردية الإسرائيلية حول عمليات المطاردة، وحين تكتب قصة المطاردة هذه، ستجد هذا الضابط شجاعا خلّاقا صانعا لمعجزات، مع أنه كان يبيت موجوسا مهووسا.

ما يهمنا من حديث ضابط المخابرات هو جزيئية الرعب الذي يسببه المطارد لأذرع المؤسسة الأمنية. إنها عملية مطاردة متبادلة، دولة مطاردة من قبل شاب، وشاب مطارد من قبل دولة. هذه المعادلة البسيطة المعقدة بين الحرية والخوف، هي رسم بياني يعكس عكسية العلاقة بين حرية المطارد وذعر "إسرائيل"، وتنسف السردية الإسرائيلية. ولذلك فإن التصور النمطي بأن الشاب المطارد هو الحلقة الأضعف في المعادلة؛ تصور غير دقيق، وإن حاول الاحتلال أن يظهر عكس ذلك في بعض مضامين إعلامه، من خلال نشره لصور القوات الخاصة والاقتحامات.

بعض الصور التي ينشرها الاحتلال لاقتحاماته تحمل بعدا نفسيا كبيرا؛ فترى جنود مقنعون يجري أحدهم أو بعضهم اتصالات، ويتخيل لنا بشكل أولي، أن الاتصالات تعني المعلومات والسلاح أداة الحسم في معركة المطاردة، في حالة توظيف عالية لعلم النفس، ومن المفارقات الغريبة أننا نشارك الفيديوهات التي يبثها الجيش الإسرائيلي لعملية المطاردة، وننشرها في مجالنا العام.

لكن ورغم كل سلوكيات الحرب النفسية الموجهة خلال معركة المطاردة، وصور وحدات النخبة والاقتحامات، إلا أن "إسرائيل" لا يمكن لها أن تخفي انعكاس وجه الخوف على جدارها. بعد عملية بركان، قالت الصحافة الإسرائيلية إن "الجيش الإسرائيلي والشاباك الإسرائيلي يتعاملان مع المطارد أشرف أبو شيخة منفذ عملية "بركان" كقنبلة موقوتة، وبحسب الاعتقاد السائد لدى المخابرات الإسرائيلية فإن المطارد أبو شيخة قد ينفذ عملية أخرى في أي لحظة، مؤكدة على أن مصدر القلق الآخر لأجهزة الأمن الإسرائيلية؛ هو محاولة تقليد عمله من قبل شبان فلسطينيين آخرين، والاقتداء به كنموذج للفدائي الذي ينفذ عمليته ويختفي، لتكشف هذه المضامين الإسرائيلية عن الخوف الذي يشكّله المطارد كشخص وكفكرة وقيمة لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

اعترافات نادرة بالفشل.. مرحلة كفى!

تصادفت كتابة هذا التقرير بنشر خبر على الصحافة الإسرائيلية، مفاده؛ أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنهت  التحقيق في ملف معركة السلطان يعقوب، والتي كانت قد وقعت قبل 36 عاما بين القوات الإسرائيلية والقوات السورية في قرية السلطان يعقوب، وقُتل فيها 20 من جنود الاحتلال، وأُسر ثلاثة آخرين ما زال مصيرهم مجهولا، وهم:  تسافي فيلدمان ويهودا كاتس وزخاريا باوميل.

وبحسب القناة العبرية السابعة، حاولت الاستخبارات الإسرائيلية بالتعاون مع أذرع الأمن الأخرى، تتبع مصير الجنود الثلاثة، الذين صنفوا كمفقودين، لكنها فشلت، ولذلك قررت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مؤخرا إغلاق التحقيقات في الملف. وزعمت القناة أن الجيش الإسرائيلي توصل لقناعة بعد عام من المعركة أن الثلاثة قتلوا، ولكنها لم تتلق أي إيعاز رسمي للإعلان عن الأمر.

وأوضح مصدر استخباراتي رفيع المستوى، للقناة، أن الجيش الإسرائيلي لم يقل ذلك صراحة سابقا، لأن إعلانا كهذا ليس مناسبا لروح الجيش، ولكن الجهود في هذه القضية استنفذت لتحديد مكان الجثث، وأضاف: "هناك مرحلة معينة يجب أن نقول فيها كفى، لقد فعلنا كل ما بوسعنا لكننا فشلنا.. خوفنا الأكبر يكمن في ردة فعل عوائل الجنود الثلاثة".

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "إن الجيش كان يتصرف بشكل علني وسري لإعادة الجنود الثلاثة المفقودين في معركة السلطان يعقوب، وهذا التزام حقيقي من الجيش، ولكن المحاولات لم تنجح".