رأى محللون سياسيون أن القرارات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية في اجتماعها الذي عقدته مساء الأحد، غير كافية في ظل الظروف والمرحلة الحالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لا سيما بعد حادثة "استشهاد" الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، الأسبوع الماضي.
وقررت القيادة خلال اجتماعها تقديم مشروع قرار إنهاء الاحتلال لمجلس الأمن الأربعاء القادم، وإعادة النظر في كل العلاقات مع دولة الاحتلال المتعارضة مع حق الفلسطينيين بالسيادة، وضرورة المسارعة في المحاسبة على اغتيال أبو عين عبر محكمة دولية، حسب بيان القيادة عقب الاجتماع.
ووزعت فلسطين في منتصف تشرين أول الماضي مشروع قرار لمجلس الأمن يقضي بإنهاء الاحتلال وفق جدول زمني وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة.
وعلى الرغم من تلويح العديد من القادة والمسؤولين الفلسطينيين باتجاه اتخاذ قرار بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، عقب حادثة وفاة أبو عين، إلا أن بيان القيادة لم يعلن ذلك.
بدوره، قال أيمن يوسف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية في جنين: إن "هذه القرارات جاءت في سياق أحداث محلية مرت بها القضية يالفلسطينية وعلى رأسها استشهاد أبو عين بمظاهرة سلمية وتماس مباشر مع الاحتلال".
وأشار إلى أن استمرار السلطة بالتنسيق الأمني واتخاذ قرار بهذا الشأن "لم يكن موفقا في ظل هذه المرحلة، على الأقل كان باستطاعة القيادة تعليق هذا التنسيق كشكل من أشكال الاحتجاج على سياسة الاحتلال، وأن يكون هناك خطاب سياسي فلسطيني مقنع للرأي العام الفلسطيني، خاصة أن هذا الرأي العام ملتهب بعد استشهاد أبو عين".
أما فيما يتعلق بالتوجه لمجلس الأمن، فأشار يوسف في حديثه للأناضول إلى أنها "خطوة جيدة بهذه المرحلة، لكن الأهم من ذلك أن يكون هناك نفس واستمرارية وأن تكون هناك رؤية سياسية وقانونية عند القيادة الفلسطينية في الخطوات الإجرائية التي ستقوم بها مستقبلا، وأن يكون هذا التوجه مدعوم شعبيا وفصائليا بالداخل الفلسطيني، ومدعوم عربيا وإسلاميا ودوليا حتى نصل فعلا لنتائج حقيقية وملموسة في مواجهة الاحتلال".
وفي تعقيبه حول قرار القيادة الفلسطينية بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، لفت المحلل السياسي إلى أن الأدوات التي تمتلكها السلطة بهذا المرحلة ما زالت "محدودة خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني والانفكاك والانحلال من حالة العلاقة مع الاحتلال".
وأضاف: "لا بديل عن جهد فلسطيني داخلي وخارجي حتى يكتمل التحرير وإلا سيبقى الاحتلال جاثما على الأرض، لذلك لا بديل عن رؤية فلسطينية واعية أكثر تأخذ بالاعتبار كل المتغيرات المحلية والخارجية، وهذه الاستراتيجية يجب أن تتضمن رؤية واضحة للذهاب للمنظمات الدولية والحقوقية على كل المرافق الدولية التي تحاكم الاحتلال وجنوده".
وأكد يوسف على أن "خوف بعض المسئولين على مصالحهم الشخصية إذا ما تم وقف التنسيق الأمني، قد يكون أحد الأسباب لعدم اتخاذ السلطة قراراً بوقفه"، مضيفاً: "الاحتلال نجح بالدخول في حالة من الشراكة مع بعض النخب
والقيادات الفلسطينية، لكن موضوع التنسيق الأمني خارج نطاق سيطرة السلطة".
ومضى قائلا: "هناك اعتبارات محلية، كما أن الدول العربية العامل الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وقلة الأوراق التفاوضية بيد القيادة الفلسطينية وقوة الاحتلال وجبروته، كل هذه الأمور تعد عوامل ضاغطة تجعل عملية الانفكاك عن الاحتلال صعبة".
سمير عوض أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت ، أشار بدوره إلى أن قضية وقف التنسيق الأمني "ستبقى بين المسئولين المختلفين وتتقاذفها الرؤى المختلفة".
وأضاف عوض: "الحقيقة أن وقف التنسيق الأمني لم يتم، ولا أعتقد أن يتم بالمدى القريب، السلطة تشعر أنه شيء مهم ويجب أن تحافظ عليه، ولدى السلطة مكاسب كثيرة للمسئولين الفلسطينيين، وإذا تم إلغاء التنسيق الأمني فلا أعتقد أنه بالإمكان الإبقاء على هذه المكاسب".
وشكك المحلل السياسي بقدرة السلطة على إعادة النظر بعلاقتها مع الاحتلال، موضحا: "السلطة ذاهبة لتصدر قرار من مجلس الأمن والذي سيصطدم 100% بفيتو أمريكي، بقرار إنهاء الاحتلال على حدود عام 67 خلال عامين،
ولا أظن أن هذا القرار سيمر، كما لا أظن أن إسرائيل ستلتزم به وبغيره من القرارات، سيحول القرار للجمعية العامة للأمم المتحدة التي اتخذت عشرات القرارات لصالح فلسطيني وإنهاء الاحتلال".
وتابع "لذلك لن يكون هناك أي شيء جديد على الإطلاق، الخطوة الفلسطينية بالأمم المتحدة ستكون خطوة رمزية أكثر منها عملية، بالتالي لن يختلف شيء على الأرض".
وأكد عوض أن السلطة الفلسطينية "مطالبة بالرد على الانتهاكات الإسرائيلية وعلى استشهاد أبو عين"، متابع "لكن لا أعتقد أن لديها الرد الكافي، وليس من ضمن خياراتها الرد الكافي، هناك ارتباط عضوي لمسئولين فلسطينيين لمنظومة التبعية للاحتلال".
من جانبه، أشار خليل شاهين، مدير البحوث في مركز مسارات الفلسطيني (غير حكومي)، في رام الله (وسط الضفة)، إلى أن "القرارات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية لا تحمل أي جديد".
وقال شاهين في تصريحات للأناضول: "هذه قرارات سابقة وبعضها مع وقف التنفيذ وغير مطروح للتنفيذ بشكل مباشر، وخصوصا أن المقاربة التي تتخذها السلطة تقوم على التتالي في تنفيذ الخطوات وليس على التوازي، القيادة اتخذت قرارا بالتوجه لمجلس الأمن منذ أسابيع، وكان من المفترض ذهاب الرئيس نهاية الشهر الماضي، وقد جرى تأجيل هذه الخطوة".
وأضاف: "الآن نحن أمام قرار إذا ما كانت القيادة ستصر على مشروع القرار الذي قدم من خلال الأردن لأعضاء مجلس الأمن أم أنها ستلجأ للمساومة عليه من خلال إيجاد صيغة وسط توفق بين مشروع القرار الفلسطيني ومشروع القرار الفرنسي الأوروبي، الذي يتضمن مسّاً بالحقوق الفلسطينية ويعيدنا لدائرة المفاوضات مع إسرائيل، فضلا عن التعديلات التي أدخلت على مشروع القرار الفرنسي من قبل بريطانيا".
ومضى بالقول: "ربما نشهد مزيدا من التعديلات التي تفرغ القرار من مضمونه، في حالة إصرار الولايات المتحدة على استخدام الفيتو، ورفض القرارين الفلسطيني والفرنسي".
ولفت شاهين إلى أن "الموقف والتحرك الفلسطيني يجب أن يبقى متمساكا زمصرا على أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولية انتهاء الاحتلال الإسرائيلي، وضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن جدول زمني واضح وهو الأمر الذي بات مشكوكا فيه"، وفق قوله.
ورأى المحلل أن القيادة الفلسطينية باتت "في مأزق من حيث مضمون مشروع القرار الفلسطيني سواء لأنها ستواجه الفشل في مجلس الأمن أو أنها ستضطر للمساومة على مضمونه، مما يفرغه مرة أخرى من مضمونه".
وبين شاهين أن القرارات التي أعلنت عنها القيادة لن تطبق كرزمة واحدة، مضيفا:"القرارات قائمة على مبدأ التتالي، أي في حالة الفشل في مجلس الأمن، ستتوجه على سبيل المثال للانضمام إلى المؤسسات الدولية، ومن ثم تعيد النظر بالعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية كما ورد في بيان القيادة".
وأوضح أن "بيان القيادة الأخير لم يتحدث عن التنسيق الأمني، وإنما تحدث عن التنسيق فقط ولم يذكر التنسيق الأمني، وهو أمر له مغزى بالتأكيد"، مضيفا: "برأيي أن القيادة محقة في أمر واحد وهي أنها غير قادرة على وقف التنسيق الأمني، لأنه يعد أحد مكونات هذا النظام الذي بني طوال فترة أوسلو".
وأضاف: "وقف التنسيق الأمني بحاجة لقرارات أكثر جرأة من القيادة الفلسطينية، تصل لإعادة النظر بالمسار السابق الذي أدى إلى المأزق الراهن الذي تعيشه القضية والسلطة الفلسطينية، هذا الأمر يعني، أن موضوع التنسيق الأمني الاستخباري بالتحديد، الذي يعيق تطوير أساليب الكفاح الفلسطيني ، ويعمل باتجاه واحد وهو توفير الحماية للاحتلال والمستوطنين، يجب أن يتوقف".
وتابع: "لكي يتوقف النتسيق الأمني، على القيادة الفلسطينية يجب أن تعيد النظر بشكل ودور ومهمات السلطة الفلسطينية وأن تنقلها من دور الوكيل الأمني والإداري والاقتصادي الذي فرضته إسرائيل عليها، إلى دور سلطة مجاورة للمقاومة الفلسطينية، وهذا يعني الخروج وإن كان تدريجيا من التزامات أوسلو، دون ذلك لا يمكن القفز إلى موضوع التنسيق الأمني".
إلى جانب كل ذلك، أضاف شاهين: "عند الحديث عن إسراتيجية شاملة للخروج من كل مسار أوسلو وقيوده، بما فيها التنسيق الأمني، فإن القيادة الحالية لا تستطيع ذلك، وهذا يعني أننا بحاجة لقيادة جديدة متحررة من القيود والارتباطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن مسيرة عقدين من أوسلو وحتى الآن".