"إلى متى" عنوانٌ يختصر الزمن والمسافة.. يقضّ مضاجع النيام بانتظار اللاشيء.. إلى متى.. عنوانٌ اختزل طول الطريق الملأى بحواجز الاحتلال ما بين مدينتيّ رام الله وقلقيلية المحتلتين حينما توجهنا لاستقبال أسير بعد خمس عشرة سنة قضاها هذا الفدائي في سجون الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.
"إلى متى" اسم أطلقته الفنانتان الفلسطينيتان الملتزمتان تانيا تماري ناصر وريما ناصر ترزي كلمة ولحناً وعزفاً وأداءً.
"أُنشودات من فلسطين" عمل إبداعي شنف أسماعنا وحلّق بأرواحنا في فضاءات حرة ونحن نسلك طرقاً تلفها عتمة الاحتلال ومغتصباته وحواجز جيشه ال (أكثر أخلاقية في العالم!!) شوارع يلفها الظلام يسلكها الفلسطينيون وشوارع ذات بنى عالية الجودة مضاءة يسلكها مغتصبو الأرض في إشارة واضحة لسياسة التمييز العنصري والتضييق على أهل الأرض في سبيل تحقيق غاية الصهيونية وتكريس جريمة التطهير العرقي لنظام كولونيالي ممثلاً بالكيان الصهيوني.
ريما ترزي ناصر تلك اليافية التي حملت روحها بعضاً من ألق يافا لتبثه جمالاً في إبداع وُلد منذ أن كانت في السابعة من عمرها على أيدي الفنان الفلسطيني العالمي سلفادور عرنيطة ليستمر عطاؤها ويتجلى في تأسيس معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى.
لئن كانت الكلمة واللحن أُسّ العمل الفني المغنى، فإن البناء لا يكتمل بنيانه دون إطلاقه بصوت شجي ميزته صبغة كلاسيكية غربية .. تانيا تماري ناصر .. تجالسها فيضجّ في المجال عبقٌ مقدسي شهي يأخذ بالروح إلى خان الزيت وسوق القطانين .. إلى باب العمود .. إلى درب آلام نبي الله الفلسطيني السيد المسيح عليه السلام .. إلى برج اللقلق حيث المتحف الفلسطيني الذي اغتصبه الاحتلال وأطلق عليه اسم روكفلر ولا يخفى على العالم مدلول الاسم.
تقول تانيا: "دعتني ريما لسماع "أنشودة العصفور" التي ألفتها للأطفال بمناسبة السنة العالمية للطفل عام 1979، وما أن انساب اللحن ودندنة الكلمات حتى تملكني شعور بأن هذه الأغنية ليست للأطفال بل لكل الفلسطينيين." هذه الأغنية التي تعبر عن آلام شعب ما زال يرزح تحت أبشع احتلال إحلالي.
في الطريق إلى قلقيلية المحتلة حيث احتفال بتحرر أسير تحررت خيالاتنا ونحن نطرب لسماع "أنشودات من فلسطين" ونردد في دواخلنا إلى متى!! أغنيات دام وقعها الجميل على مسامعنا أكثر من ساعة وثلاث عشرة أغنية. استقبلتنا مدينة قلقيلية المحتلة وقد تزينت بأعلام فلسطين وأهازيج فرح احتفاءً بتحرر الأسير وتنبيء بغد أجمل لا يشوبه احتلال وحواجز جنوده ولا تشوه شوارعه وتلاله مغتصبات صهيونية.. غد أجمل اسمه فلسطين.