10359 حادثا مروريا منذ بداية العام بينها 158 حادث دراجة نارية.. لكن خطورتها أشد
شرطة المرور توصي باتخاذ تدابير السلامة والالتزام بالقوانين وتحذر من يخالف
الحدث- محمد غفري
"أنا سمعت صوت حادث بس ما شفت بالزبط شو صار، ركضنا نشوف لقيت على الأرض شب مقسوم جسمو نصفين، وكل نصف يوجد على مسلك من الشارع، حتى أن بعض أحشاء جسده وصلت إلى أسلاك الكهرباء".
بهذه الكلمات الصعبة يصف عايد طوافشة هول مشهد حادث الدراجة النارية الذي وقع في قرية عين يبرود شرق رام الله منتصف شهر تموز الماضي.
طوافشة وهو تاجر خضار متجول، كان قد تواجد خلال ساعات الظهيرة في منطقة الحادث، لم يشاهد بالضبط ما الذي جرى إلا أنه كان أول الواصلين بعد سماعه صوت انزلاق الدراجة النارية وارتطامها، ويعتقد بأن شدة الحادث قذفت بجسد الشاب حتى اصطدم بأحد أعمدة إنارة الشوارع الموجودة في الجزيرة وسط الشارع، ليلقى مصرعه على الفور.
قامت "الحدث" بإجراء لقاء صحفي مع السيد يوسف أبو هنية من قرية عين يبرود وهو والد الشاب موسى المتوفى جراء حادث الدراجة النارية. ولهول الحادث وفجاعة المصاب، لم يمتلك أبو هنية أي كلمات يقدمها لنا "أنا لم أكن موجوداً ولا أعرف ما الذي حصل، ولكن تقرير الشرطة أفاد بأن الحادث ذاتيٌّ.. أنا لغاية الآن مصدوم مفجوع ولا أعرف ماذا أفعل.. شفت ابني قبل الحادث بنصف ساعة أو أكثر".
رحل موسى عن عمر يناهز (24 عاماً) وكان يحمل شهادة الماجستير في القانون الدولي، وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن الحادث ذاتي، وقد فاقم من شدته سرعة الدراجة الزائدة وعدم ارتداء أدوات السلامة.
يقول والد موسى "لديه دراجة مرخصة ومؤمنة ولكنها كانت في الصيانة، لذلك قام بشراء دراجة غير قانونية، وفي طريق عودته من شركة الصيانة وقع الحادث".
لم يتلق والد موسى ضحية الدراجات النارية حتى اليوم أي تعويضات مادية "لا يوجد من تعرف علينا أو قام بزيارتنا أو اهتم بالموضوع".
من هذه الحادثة نستنتج التالي: أن عدم الالتزام بقوانين المرور وارتداء أدوات السلامة المرورية يعتبر العامل الأساسي في وقوع حوادث الدراجات النارية الخطرة، وعدم قيادة دراجة نارية مرخصة ومؤمنة يحرم العائلة من حقها في التعويض من قبل شركات التأمين، إلا من خلال صندوق تعويض مصابي الحوادث.
منذ بداية العام الجاري، بلغ عدد حوادث الدراجات النارية منذ بداية العام الجاري 158 حادثا، نتج عنها 137 إصابة و3 وفيات، من بين الوفيات كان شخص يقود دراجة غير قانونية، إضافة إلى اثنين على دراجات قانونية، بحسب ما أفاد لـ "الحدث" مدير إدارة المرور في جهاز الشرطة الفلسطينية العقيد أبو زنيد أبو زنيد.
عروض مغرية للبيع
منذ العام 2015، سمحت وزارة النقل والمواصلات بشكل رسمي للشركات الفلسطينية باستيراد الدراجات النارية، ليصبح عدد الدرجات حتى نهاية شهر أيلول الماضي ما يقارب 2500 دراجة نارية مرخصة، تباع من قبل خمس شركات تعمل كوكلاء موزعين للدراجات.
يتوجه السائقون لاقتناء الدراجات، كونها تساعد على تجاوز الأزمات المرورية، وكنوع من الهواية وحب القيادة لهذا النوع من المركبات، عدا عن استخدامها في الأغراض التجارية وإيصال الطلبات داخل المدن، لما تمتلكه من مرونة في الحركة وتوفير في الوقود.
ولعل أهم أسباب اقتناء الدراجات مؤخراً هو العروض المغرية من قبل الوكلاء الموزعين، حتى أن بعض الشركات تبيع الدراجة بقسط شهري لا يتجاوز 800 شيقل.
هذه الشركات لها ما عليها من رغبة في زيادة عدد مبيعاتها في السوق المحلي، وتقديم أفضل العروض للزبائن، وهو ما يظهر في أحد الإعلانات التشجيعية لإحدى هذه الشركات تقول فيه "بدون دفعة أولى، بدون كفيل، بدون وساطة بنوك، بدون فوائد... ألخ".
وبالرغم من هذه العروض التشجيعية، إلا أن السيد إياد الزمط وهو مدير إحدى هذه الشركات، أكد أنه لا يبيع الدراجة للزبون قبل التأكد من امتلاكه رخصة قيادة قانونية، والحصول على تأمين وترخيص للدراجة.
وأيضاً الزمط أفاد لـ"الحدث" أنه يقدم عددا من الهدايا للزبون والتي من شأنها أن تحفظ شروط السلامة والأمان له، وتتمثل بالخوذة والسترة والقفازات الخاصة وكسارات الحماية.
وأضاف، أنه يتأكد من قيادة السائق قبل بيعيه الدراجة، لأن الدراجة التي يتدرب عليها ويخضع للفحص عليها، قد تختلف عن الدراجة التي يشتريها من الشركة لديه.
يجب ارتداء أدوات السلامة
إذ يؤكد الزمط أنه لا يبيع أي دراجة دون ترخيص وتأمين وتقديم أدوات السلامة، وهو ما تفعله باقي الشركات بحسب ما أكد لنا خالد قدورة رئيس جمعية الدراجين "فلسطين رايدرز".
هنا تقع المسؤولية على شرطة المرور في فرض ارتداء أدوات السلامة على سائقي الدراجات، وعدم قيادتها دون الحصول على كافة الرخص والتأمينات اللازمة.
يؤكد العقيد أبو زنيد أبو زنيد أن شرطة المرور تشترط على سائق الدراجة النارية أن يحصل على رخصة قيادة للدراجة، وأن يحمل وثيقة تأمين وترخيص للدراجة سارية المفعول، كل هذا قبل قيادتها على الشارع.
وأثناء القيادة بحسب أبو زنيد يجب على السائق أن يلتزم بشروط السلامة، ولعل أهمها ارتداء الخوذة والسترة الخاصة، وأن يلتزم بالمسلك الصحيح الذي تدرب عليه، وأن يبتعد عن الاستعراض والتفحيط، ويقود الدراجة وفق النظام والقانون، دون تعريض حياة الأشخاص للخطر.
خطورة حوادث الدراجات النارية عالية وينتج عنها إصابات بليغة، لذا فإن كل من يخالف تعليمات شرطة المرور يتلقى مخالفة سير قد تصل إلى حد سحب رخص القيادة منه.
أما عن الدراجات غير القانونية، أشار العقيد أبو زنيد إلى أن شرطة المرور تقوم بجمع الدراجات غير المرخصة وإتلافها وتوقيف السائق في جميع الأحوال.
أبو زنيد قال إنهم اتلفوا 430 دراجة غير قانونية منذ بداية العام وحتى تاريخ 13 أكتوبر الجاري.
الحصول على التراخيص
وفي الوقت الذي تطالب فيه شرطة المرور السائقين بعدم قيادة الدراجة النارية دون ترخصيها بشكل رسمي، يأتي دور وزارة النقل والمواصلات في فرض جملة من الشروط المشددة قبل الحصول على الترخيص بما يضمن حماية حياة السائق.
تشجع وزارة النقل والمواصلات على استخدام الدراجات النارية من قبل المواطنين، وهو ما يؤكده الناطق الرسمي باسم الوزارة محمد حمدان "طالما أننا سمحنا باستيراد الدراجات النارية واستخدامها من قبل المواطنين بالتأكيد نحن معنيون بتوفير كل الوسائل للمواطن التي تساعده في التنقل، وهذا التوجه نابع من تغطية احتياجات المواطنين، حتى أن معظم الدراجات يذهب استخدامها في الخدمات التجارية وتوصيل الطلبات، وهي تساهم بتدوير عجلة الاقتصاد بصورة جيدة".
وفي حواره مع "الحدث"، أورد حمدان بعض الشروط الواجب على السائق اتخاذها قبل ترخيص الدراجة النارية، ومنها أن يكون الشخص قد حصل على رخصة قيادة دراجة، وأن تكون مؤمنة، وأن تطابق المواصفات الفلسطينية، وأن يلتزم بأدوات السلامة من خوذة وسترة وقفازات.
وشدد حمدان على دور الشرطة في متابعة هذه القضية "مطلوب من الشرطة مراقبة هذا الموضوع وتحرير مخالفات بحق المستهترين".
تأمين باهظ على الدراجات النارية
عندما نتحدث عن الشروط المترتبة على السائق والواجب اتخاذها قبل قيادة الدراجة النارية، فالحديث يكون عن أدوات السلامة والحصول على رخصة قيادة، وتأمين الدراجة، ومن ثم ترخصيها.
طفت على السطح مؤخراً ظاهرة رفع شركات التأمين لثمن الحصول على تأمين للدراجات النارية، بذريعة ارتفاع نسبة الحوادث وخطورتها، وهو ما يخالف الإحصاءات الرسمية بدليل وقوع 158 حادثا منذ بداية العام، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن مع عدد حوادث المركبات بشكل عام والذي وصل إلى 10359 حادثا منذ بداية العام وحتى يوم الأحد 14 أكتوبر الجاري.
وزارة النقل والمواصلات وعلى لسان محمد حمدان تؤكد أنها لا تقوم بترخيص أي دراجة إلا إذا كانت حاصلة على تأمين، تطبيقاً لقانون المرور رقم 5 لعام 2000.
لكن الدراجون وعلى لسان خالد قدورة يشتكون من ارتفاع أسعار التأمين في الآونة الأخيرة، حيث يبلغ سعر تأمين الدراجة النارية لغاية سعة محرك 150cc 2450 شيقل، ولغاية 350cc 3350 شيقل، ولغاية 500cc 3850، ولغاية محرك 750cc 4450 شيقل.
وفي حواره مع "الحدث" أكد رئيس جمعية الدراجين خالد قدورة رفضه هذه الأسعار لأن ما يسعى السائق لتوفيره من جهة سوف يقوم بدفعه للجهة الأخرى (التأمين)، واعتبر أن الأسعار المذكورة تتجاوز قانون التأمين.
في السابق كان تأمين الدراجة النارية نصف الأسعار المذكورة وكان معدل الأسعار من 1500-2000 شيقل، وكانت الأسعار مقبولة، هكذا يقول خالد قدورة، مضيفاً أن أسعار التأمين لدينا تبلغ عشرة أضعاف التأمين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يبلغ تأمين الدراجة النارية في الأردن 100 دولار، ومن يتذرع بأن حجم التعويضات في الأردن أقل نحن لا نمانع بتقليل حجم التعويضات.
نتيجة ارتفاع أسعار التأمين منذ قرابة شهرين، يقول رئيس جميعة الدراجين "فلسطين رايدرز": إن أغلب الدراجات الآن غير مرخصة، ولن تستطيع الترخيص ولا التأمين بسبب الارتفاع، والكل يتجه إلى الدراجات غير القانونية وهذا سوف يعزز المشاكل.
إذاً من يتحمل المسؤولية؟
وزارة النقل والمواصلات بحسب ما أفاد محمد حمدان قامت بدعوة كافة الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق مصلحة سائقي الدراجات وعدم المغالاة في هذا الموضوع، وأن يكون سعر التأمين عادلا لهم، لأنه من غير المعقول أن يكون سعر تأمين الدراجة أعلى من ثمنها.
وأكد حمدان أن هذا الموضوع متابع من قبل وزير النقل والمواصلات وقد قام بعمل سلسلة اجتماعات ودعا هيئة سوق رأس المال كجهة مكلفة بقضية التأمين لإلزام شركات التأمين بعمل تأمين عادل.
"نحن لأننا نهتم بمصلحة الدراجين بالدرجة الأولى، يجب وضع حد لشركات التأمين في سياسة الانفراد بالأسعار، ووقف الانحياز المطلق من قبل هيئة سوق رأس المال لصالح شركات التأمين" هذا ما صرح به خالد قدورة لـ"الحدث".
ويقول قدورة إن هيئة سوق رأس المال وافقت على مقترح أسعار التأمين المقدم إليها من قبل شركات التأمين قبل شهرين، وسوف تستمر بهذه الأسعار العالية حتى انتهاء إعداد الدراسة الإكتوارية لتحديد الأسعار.
رد هيئة سوق رأس المال
في لقاء خاص مع "الحدث" قال براك النابلسي رئيس هيئة سوق رأس المال إن نظام تعرفة التأمين المعمول به حالياً لديهم يعود إلى العام 2008، وقد حدد في ذلك الوقت الحد الأدنى لتعرفة تأمين الدراجات النارية ولم يحدد السقف الأعلى لتأمين الدراجات النارية، وفي ذلك الوقت كانت أعداد الدراجات النارية قليلة جداً ولم يكن هناك استخدام واسع للدراجات كما هو الحال اليوم.
وأضاف النابلسي وهو يعرض تفاصيل القضية علينا، أن مجلس الوزراء الفلسطيني شكل لجنة منذ عامين لمناقشة أوضاع التأمين، واجتمعت هذه اللجنة على مدار عامين وأوصت بمجموعة من الحلول للنهوض بهذا القطاع، ومن أهم توصياتها هي معالجة موضوع الدراجات النارية من كافة الجوانب.
هذه اللجنة طلبت من هيئة سوق رأس المال بحسب النابلسي أن تقوم بإعداد دراسة جديدة لأسعار تأمين الدراجات النارية، تشمل وضع حد أدنى جديد لأسعار التأمين.
لذلك قامت الهيئة وفق تصريح النابلسي بتعيين خبير اكتواري منذ أسبوعين من أجل إعداد تسعيرة جديدة، وأن تتضمن أيضاً وجود سقف أعلى وليس حد أدنى فقط، حتى يكون لدى الهيئة نوع من التدخل يحمي حامل وثيقة التأمين.
لذلك طلبت هيئة سوق رأس المال وفق ما ذكر النابلسي من شركات التأمين أن تقدم مقترح تسعيرة جديدة حتى انتهاء إعداد الدراسة من قبل الخبير الاكتواري، وقد تقدم إليهم مقترح أسعار يتراوح من 2500 شيقل وحتى 5000 شيقل.
وفي هذه الأيام يقوم الخبير الاكتواري المعين من قبل هيئة سوق رأس المال بمراجعة ما هي الدراجة النارية التي يتم استخدامها حالياً في السوق الفلسطيني، وما هو دخل الفرد، ومستوى المعيشة، وعدد الحوادث، ومساحة المناطق المخصصة للدراجات وغيرها من الظروف العلمية.
وتوقع النابلسي أن يتم الانتهاء من الدراسة خلال الأسبوع الجاري، حيث سيقدمها الخبير الاكتواري للهيئة، ومن واقع خبرته الشخصية بهذا القطاع سوف تكون الدراسة أعلى من السعر المحدد منذ العام 2008، لكنه يقترب من السعر المقدم من قبل شركات التأمين.
وأكد النابلسي، أن الهيئة في حال كان هناك نوع من المبالغة سوف تتدخل بمنطقية وعقلانية، من أجل حماية المؤمن وحماية شركة التأمين أيضاً، بشرط تحديد سقف أعلى لسعر التأمين.
وأشار براك النابلسي في ختام حديثه مع "الحدث" أن الدراجة النارية تعرف وفق المنظومة التأمينية العالمية على أنها من المركبات الخطرة، وبالتالي لا يمكن معالجة موضوع التأمين للمركبات النارية دون التطرق إلى وجود بنية تحتية خاصة، وآلية لضبط سائق الدراجة، والالتزام بوسائل الحماية.
ما هو المطلوب؟
في المحصلة النهائية، يبدو خيار التوجه لتشجيع اقتناء الدراجات النارية خياراً استراتيجياً لما تشهده فلسطين من أزمات مرورية خانقة، وفي ظل ارتفاع أسعار المركبات ومن خلفها أسعار المحروقات.
وبالتالي على السائق أن يحصل على رخصة قيادة كشرط أساسي ومن ثم اقتناء دراجة نارية تلائم المواصفات المثالية، وبعدها التوجه للحصول على شهادة تأمين وترخيص رسمية.
وقبل السير على الشارع، على السائق أن يلتزم بارتداء أدوات السلامة بشكل كامل، وأن يراعي قوانين السير، لأن الغرض من هذا حمايته شخصياً قبل حماية الأخرين.
الجهات الرسمية هي الأخرى مجتمعة، عليها أن تشدد من الرقابة على الدراجات النارية وتوفر البنية التحتية الملائمة لها، وفي نفس الوقت تخفض من أسعار التأمين بشكل يجعله متاحا للجميع حتى يتسنى للسائق الحصول على تأمين وترخيص رسمي، بما يضمن حقه في التعويض العادل فيما لو وقع حادث سير لا قدر الله.