الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بينَ الصَحوِ والنّوم: 17 أكتوبر/ بقلم: محمد ناجح ريماوي

2018-10-17 10:54:17 PM
ما بينَ الصَحوِ والنّوم: 17 أكتوبر/ بقلم: محمد ناجح ريماوي
محمد ناجح ريماوي

 

 بقلم: محمد ناجح ريماوي

بعد اعتقاله، في أولى اللقاءات التلفزيونية، ردّد الامين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات "رصاصاتنا كثر وسلاحنا لم يصدأ بَعد." لغة الخطابات والعبارات لم يكن سعدات يعرفها، إنما كان على درايةٍ تامة بلغة المواجهة العسكرية المُبرَّرة، ولكن بعد أسره لم يستطع المواجهة بذات اللغة، فواجه بكلماته. وفي هذا الصدد، يقول أرسطو -بعد التصرف في النص- إذا كان من المخجل ألا يتمكن الإنسان من الدفاع عن قضيته بالقوة العضلية والعسكرية، فإنه من العار والعبثية ألا يتمكن من الدفاع عن قضيته بقوة الكلمة. بعدما قال سعدات عباراته القوية، كان على يقينٍ تام بأن الشعب خلفه يسمع، ويجري للثأر، ويسعى لتطبيق قاعدة العين بالعين والسن بالسن، وهذا اليقين تملّك سعدات.

إن اليقين بحراك الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني الذي تملّكَ سعدات، قد تملَّكَ جدّتي عندما قامت قوات الإحتلال بتفجير بيتها، والذي كان يحتويها ويحتوي الأسير باسل الأسمر، حيثُ صعدت على سطح البناية، وصارت تغني "إبني وحبيبي ونور عيوني، أنا إم البطل". وذات اليقين أيضًا تملَّكَ أم الشهيد أحمد سناقرة، عند استشهاد إبنها المدلل، خرجت على سطح البناية وأطلقت زغاريدها أمام الشعب، على أمل أن يثأر. وكذلك يقين أم الشهيد مهند الحلبي، وكثير من الأمهات اللاتي أطلقن الغناء والزغاريد والدموع لشحذ الهمم، لكن دون جدوى.

لم يسمع سعدات أيّ صدى لعباراته، ولم يرَ ثأرًا بَعد، صار قلقًا، والذي جعله يقلق هو ذاته الذي جعل جدّتي أكثر هشاشة وقلق، حيث كانوا وما زالوا قلقين من حالة الجمود التي تنخر في عظام كل فلسطيني حُر، فبهذه الحالة أمسى الفلسطيني (مُبرمج) على خطًى واحدة لا ثاني لها، وهي خطى المحافظة على لقمة العيش، وسدّ الآذان عن سماع أي صوت غير ذلك، والتفكير في كيفية الحصول على الماديات، محاولة للوصول إلى العيش الهني، ما أدى إلى تعميق فكرة الحياة الفارهة والسعي إليها، وتسطيح فكرة الثورة والقضيّة والسعي لاسترجاعها. السؤال الذي يجب طرحه هو: ما هي الظروف التي ساهمت في ذلك؟

إذا أردنا معرفة أحد الظروف التي ساهمت في تجويع الشعب الفلسطيني، وتركه ليحظى بلقمة العيش، مما أفرز عملية الجمود الثوري، يتوجب علينا زيارة صفحات التاريخ والاقتصاد قليلًا، وبالتحديد في فترتين: فترة الشهيد ياسر عرفات، وفترة رئيس الوزراء سلام فياض. ففي الفترة الأولى، حرص عرفات على رفع نسبة الفوائد على البنوك، مما أدى مباشرةً إلى رفع نسبة الفائدة على القروض، وهذا يعني أن هناك صعوبة سوف تواجه من يريد أخذ قرض، فلا أحد كان يجرؤ على أخذ القروض إلا ما ندر. وعلى النقيض من ذلك، في الفترة الثانية، حرص فياض تخفيض نسبة الفوائد على البنوك، مما شجّع الشعب على أخذ القروض، متذرعين بالزواج أو شراء سيارة فارهة أو ما شابه، وهذه ربما تكون استراتيجية لوضع حد للفكر الثوري، حيث أصبح هم الناس بعدها يتمحور حول تسديد القروض، واللهو بالماديات بعيدًا عن واجباتهم تجاه القضية الفلسطينية. في خلاصة هذا المقام، يمكننا الإستنتاج أن عرفات أراد مواطن ثوري، ولا يفكر سوى بالقضية والتحرر من الإحتلال، فأي شيء كان يخدش القضية كان يخدش المواطنين. بينما فياض خلق مواطن مادي مستهلك، ولا يفكر سوى بكيفية سداد القرض، وكيفية الحفاظ على لقمة العيش، وأي شيء يخدش لقمة العيش يخدش المواطن، أما غير ذلك فلا! وخير دليل على ذلك، الكم الهائل من المتظاهرين الآن ردًّا على قانون الضمان الإجتماعي الذي يقاسم الشعب في لقمة عيشه، مقارنة بالكم الضئيل من المتظاهرين لأجل الأسرى والشهداء والقضية.

في نهاية الأمر، يقين سعدات وجدتي وأمهات الشهداء والأسرى بحراك الشعب من أجلهم ضعيف، ويجب إعادة النظر في كثير من الأمور المتعلقة بالشعب والقيادة والنظام، وإلا فلن تُسمع عبارات سعدات، ولن يُفهم غناء جدّتي.