الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماذا كان سيحدث لو اغتالوا خاشقجي في غرفة نومه؟

2018-10-21 06:47:22 AM
ماذا كان سيحدث لو اغتالوا خاشقجي في غرفة نومه؟
جمال خاشيقجي

الحدث ــ محمد بدر

لم يعرف التاريخ جماعة بشرية احترفت الاغتيال على أساس سياسي أكثر من "الحشاشين"، وهي طائفة إسماعيلية ازدهرت حركتها في إيران وفي الشام. ونظريا، أسست هذه الجماعة لأساسيات "فلسفة الاغتيال" وأبعادها السياسية والنفسية، فأسست فرقة أطلقت عليها اسم "الفدائيين"، مهمتها التخفي وإجادة لهجة الخصم والتعرف على بيئته وظروفه ومعطيات تتعلق بسلوكه وعلاقاته، ومن ثم تنفيذ عملية الاغتيال على مرأى الناس واختيار الأماكن العامة لاصطياد الهدف، من أجل بث الرعب في نفوس المناوئين والمعارضين الآخرين.

من النهاية نبدأ، لقد كان لاختيار الأماكن العامة حضورا بارزا في عمليات اغتيال "الحشاشين"، وإذا كان "الحشاشون" قد اعتمدوا "الاغتيال" كاستراتيجية للعمل العسكري ككل، فإن الاغتيال المشهود عليه كان الاستراتيجية الأبرز في بنية عملهم العسكري بما يحققه من دعاية. ولقد استطاعت عملياتهم الدقيقة أن تحدث توازنا للقوة بينهم وبين خصومهم رغم أعدادهم القليلة نسبيا مقارنة مع التشكيلات العسكرية السياسية التي كانوا يعادونها.

منذ أسابيع والعالم منشغل في قضية اغتيال الصحفي السعودي "المعارض" جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في أسطنبول في تركيا. ويتساءل كثيرون، لماذا لم تختر السعودية مكانا آخرا لاغتيال خاشقجي؛ واختارت هذا المكان العام ببعده السياسي؟ ولماذا لم تقتله السعودية بحادث طرق أو بإطلاق نار ينفذه مأجورون؟ هل هي عاجزة لدرجة أن استخباراتها لا تستطيع الاستعانة بقتلة مأجورين لتنفيذ عملية اغتيال؟. في الحقيقة، فكرت السعودية في "ذيل النظرية التي صاغها الحشاشون"، واختارت مكانا عاما من أجل تحقيق أبعاد نفسية ودعائية مستهدفة المعارضين الآخرين بدعايتها، ولكنها لم تفكر بأبعاد ما قد تنتجه جريمة داخل هذا المكان سياسيا.

هذا ليس شارعا رئيسيا ولا مطعما ولا فندقا ولا القرن الخامس الهجري، ولو اختارت أيا من الأماكن العامة بدون اللجوء للقنصلية لكانت القضية أقل حدّة ولكان موقفها أكثر قوة، ولحققت العملية أثرها الدعائي النفسي بدون ارتدادات سياسية كبيرة، ولكنه الجهل وخط الاتجاه الواحد في التفكير. "إسرائيل" كأكبر ظاهرة موّلدة للجريمة المنظمة والاغتيال، تختار أماكن خاصة جدا كمسارح لعمليات الاغتيال وأماكن عامة جدا، ولكل مسرح من المسرحين بُعده النفسي والدعائي، ولكنها تنتقي الأماكن بأبعادها السياسية وبعد دراسة جيدة للمكان سياسيا. لقد كان باستطاعة "إسرائيل" اغتيال بعض القيادات الفلسطينية في القاهرة ولكنها حاولت اغتيالهم في بيروت ودمشق؛ في "جغرافية معادية"، وعندما حاولت اغتيال خالد مشعل في عمان، دفعت ثمنا كبيرا وكانت تخشى من ثمن أكبر بحسب ما صرّح به مسؤول الموساد حينها أفرايم هاليفي، فكانت تجربة غنية مؤلمة لها في هذا المجال.

إن "السعودية" التي يصرّح ترامب ليل نهار بأنه وجيشه ومخابراته من يحميها، ليس لديها أي تجربة في إدارة عملية عسكرية أو استخباراتية أو حتى سياسية. لقد فشلت سياسيا وأمنيا في اغتيال خاشقجي، كمثال، وفشلت إعلاميا في إدارة أزمة اغتياله، وفشلت في تحقيق ولو عشر نصر على مقاتلي الحوثيين في اليمن رغم ترسانة الأسلحة المستوردة من أمريكا، ستؤمن بعد اليوم أن عليها أن تدفع لترامب أكثر لأنها فشلت في كل شيء إلا في الدفع، وأن قراءتها لـ"أذيال النظريات" لم يسعفها.