خاص الحدث ــ إسراء الصفدي
وأنت تسير في مخيمات لبنان للاجئين الفلسطينيين، إحذر من سقوط حجر عليك، أو كتلة إسمنتية تؤدي بك إلى الموت، وإن كان الطقس ماطر، إجلب معك قارب صغير لتتمكن من عبور الشارع الذي يتحول إلى نهر، وكي تمشي في الأزقة، انتظر لمدة ساعة على الأقل أو استعد للغرق.
في مخيمات تغرق بالفقر والبؤس والحرمان من أدنى الحقوق الإنسانية، يستعد آلاف اللاجئين لاستقبال فصل الشتاء المفضل لدى الكثير من الناس، كون الأمطار تجلب الخير والبركة، ولكن بالنسبة لأهل المخيمات، الأمطار لا تحمل الخير أبدا، فهي تكشف عن مشاكل من المحتمل أن تتحول إلى كوارث وتقضي على العشرات.
كثيرة هي القصص والحكايا التي تدق ناقوس الخطر لكل المعنيين بمشكلتي المنازل الآيلة للسقوط واهتراء البنى التحتية في المخيمات نتيجة الرطوبة والإهمال، في ظل عدم قدرة اللاجئ البسيط على إصلاح مواضع الخطر.
المنازل المهددة بالسقوط
المنزل الذي يعتبر مأوىً آمنا لكل إنسان في هذه الدنيا، لم يعد كذلك بالنسبة لعشرات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، إذ بات يشكل لهم رعباً جراء تصدع أسقف المنزل وجدرانه وسقوط أجزاء منه يومياً.
تجولنا في مخيم برج البراجنة بالعاصمة اللبنانية بيروت،المخيم الذي يعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى، ويعتبر من أكثر المخيمات التي تحتوي على منازل غير صالحة للعيش، وخلال الجولة اطلعنا على أكثر من منزل آيل للسقوط، حيث أكد أصحابهم أن وكالة الأونروا أرسلت مهندسين للكشف على المنازل، فأكدوا لهم أن المنازل غير صالحة للسكن وبحاجة لترميم، ولكن حتى الآن لم يتم تقديم أي مساعدة لهم تمكنهم من إصلاحها.
وكالة الأونروا بدورها أحصت المنازل التي تحتاج لترميم في المخيم وتبين أن عددها خمسة وثمانون منزلا، وتقول إنها جاهزة لإصلاحها ولكن بانتظار تقديم الدولة اللبنانية تصاريح لإدخال مواد البناء اللازمة للمخيم.
ينظر اللاجئ الفلسطيني إبن مخيم برج البراجنة أبو أحمد ستيتية إلى منزله بحرقة وقهر، ولا يعلم ما سيقوله لنا، جلس على الكرسي في غرفة مخيفة من غرف منزله، سقفها متصدع ويسقط كل يوم جزء منه، تنهد وقال لنا "أنا وعيلتي عايشين هون كل يوم بيومه، متوقعين بأي لحظة يوقع علينا السقف ونموت خاصة هلق بالشتا، وين بدنا نروح فش إلنا غير هالبيت، ناشدنا المسؤولين كتير كلو بيجي بصور وبروح...إلنا الله بس".
وأكد أبو أحمد أن الأونروا وعدته منذ سنوات بإصلاح منزله ولكن لم تفِ بوعدها حتى اللحظة، مشيرا إلى أن الوكالة تتحجج دائما بالعجز المالي أو بعدم موافقة الدولة اللبنانية على إدخال مواد البناء، موضحا أن الكثير من المنازل جرى ترميمها في الفترة الماضية من قبل الأونروا، وهو ما وصفه أبو أحمد "بالواسطة والمحسوبيات".
وفي مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوب لبنان..الوجع ذاته، فمع اقتراب فصل الشتاء يتخوف أصحاب المنازل المتصدعة من سقوطها على رؤوس قاطنيها، وهو ما حصل مع اللاجئ محمود عويص في أول سقوط للمطر، حيث انهارت أجزاء من سقف المنزل دون إصابة أحد، وناشد عويص وكالة الأونروا والصليب الأحمر الدولي بترميم منزله.
مصادر فلسطينية أكدت لنا أن مبالغ مالية ضخمة تتلقاها الأونروا والصليب الأحمر الدولي والمجلس النرويجي على شكل مساعدات دولية، لترميم منازل اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن الفساد في توزيع الموارد والمحاصصة هو السبب الرئيسي لاستمرار هذه الجريمة الإنسانية بحق العشرات.
البنية التحتية المهترئة
مشكلة أخرى تعانيها مخيمات لبنان في فصل الشتاء، وهي وجود بنى تحتية سيئة جداً، خصوصاً في مجال شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، والتي تتداخل كلها مع بعضها البعض في ممرات وأزقة ضيقة، فتحتاج إلى كمّ الأفواه، نتيجة الروائح المنبعثة، والتي تؤدي إلى ظهور الأوبئة والأمراض الجلدية.
إضافة إلى مشكلة المياه الصالحة للخدمة المنزلية في مخيمات بيروت، والتي توزّع على الأهالي من خلال آبار ارتوازية، لكنها بنسبة ثمانين في المئة تكون مالحة، ما يؤدي إلى ظهور حالات تصدّع في المنازل بشكل مخيف ومرعب ومقلق.
ومع أول منخفض جوي تعرض له لبنان، ظهرت كل المشاكل المختبئة في مخيماته، فجراء الأمطار الغزيرة التي هطلت في العاصمة بيروت، لم تجف الطرقات من سيول المطر والصرف الصحي، بسبب ضعف البنية التحتية التي أنشئت عندما كانت المخيمات تستوعب نصف سكانها الحاليين.
محمود إبن مخيم شاتيلا قال "مع كل أول شتوة، نعاني من هطول الأمطار والطوفان الذي يقضي على ممتلكاتنا، كما يعرضنا للأمراض كون المياه غير نظيفة وتختلط بمياه المجاري، ما يؤدي أيضا إلى تعطيل الطلاب عن مدارسهم".
أزمة البنى التحتية المهترئة تتفاقم من سنة إلى أخرى، والتي جرى تحديثها آخر مرة في مخيمات بيروت عام 1990، وكان آنذاك عدد السكان أقل بكثير، وكانت تلبي حاجات تلك الفترة، أما اليوم وبعد ثمانية وعشرين عاما فالمشكلة تفاقمت ومن الضروري تحديثها بشكل يلبي هذا التزايد في عدد السكان.
أمين سر اللجان الشعبية في مخيمات بيروت أبو عماد شاتيلا، أوضح لنا أن غزارة الأمطار التي تعرضت لها مخيمات بيروت يوم الخميس كانت غير متوقعة وتفوق الطبيعي، ما أدى لحصول طوفان في شوارع المخيمات، مشيرا إلى أن بعد نحو ساعة عادت الشوارع إلى طبيعتها وهذا ما يدل على أن البنية التحتية سليمة ولكن بحاجة لبعض الإصلاحات.
وأكد شاتيلا أن اللجان الشعبية عملت مع وكالة الأونروا على تنظيف المصارف حتى تستعد لغزارة المطر في جميع مخيمات بيروت.
وفي مخيم برج البراجنة الذي تعرض لسيول في بعض أحيائه، قال الشاب عيسى محمود" إن أهل المخيم عمدوا قبل هطول المطر إلى سد أبواب منازلهم بجدار حجري لمنع المياه من الدخول، ولكن هذه الطريقة لم تعد ناجحة أمام الارتفاع الزائد للسيول".
وأردف "مخيماتنا منكوبة والأونروا دائما تعد ولاتف، ونحن من خلال مواقع التواصل الإجتماعي والصفحات التي تعنى بشؤون المخيم على الفيسبوك، نقوم بعرض مشاكلنا وننفذ حملات إعلامية للضغط على المعنيين بحلها".
من مخيمات الشمال إلى البقاع فبيروت والجنوب، كثيرة هي المشاكل التي تعانيها، معظمها قاس ومتكرر، فأوجاع اللاجئين لم تنطفئ يوما حتى تعود، وجرح سائر المخيمات يتمثل في أزمة كهرباء ومياه وتقليصات الأونروا في المجالات كافة، هي الأزمات ذاتها منذ سنوات، لم تتغير، لم تحل، إنما تزايدت أكثر نتيجة الفساد المنتشر في اللجان المعنية بمواكبة أوضاع اللاجئين، والعمل على التخفيف من أزماتهم حتى إنهائها.