الحدث- ريم أبو لبن
في كل عام من هذا الوقت، نبدأ بممارسة الهروب خلسة من التوقيت الشتوي، فيما تستيقظ عيوننا على عقارب تدق صيفاً وتعلن رفضها الدخول في موسم جديد، لنمر بموجة قلق وتأخر عن المواعيد، وأعظمها التأخير عن "البصمة" تلك الآلة التي تثبت هويتك اليومية "كموظف"، ولن تتمكن من الفرار هروباً من أعين المراقب لها، غير أن البعض يستيقظ مبكراً ليطرح عليك سؤالا قبل الاصطباح قائلاً: "قديش الساعة؟".. ويعاود توجيه السؤال بعد كل ساعة.
وفي معرض التعليق، كتب أحد النشطاء على "موقع فيس بوك" منشوراً مخاطباً صديقه الذي يعاود السؤال عن الوقت، و نقلاً عن الفلسفة الواقعية للملحن اللبناني زياد الرحباني: "انو بحياتك لشو قربوا ولشو بيأخروا لشو بيلعبو فيا للساعة، انو شو في ورانا نحنا ليش؟ شو مأثر علينا الوقت؟"
لم يتوقف ذات السؤال منذ إعلان مجلس الوزراء وخلال جلسته الأخيرة العمل بالتوقيت الشتوي الذي بدأ صباح يوم السبت الموافق 27 تشرين الأول 2018، حيث انشغل الفلسطينيون بتأخير عقارب الساعة اليدوية والإلكترونية إلى الوراء 60 دقيقة وعلى مدار 152 يوماً، بينما بدأ العمل بالتوقيت الشتوي اليوم في كلا من القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
"الشتوي بعد مجيء السلطة"
"نظام التوقيت الشتوي جاء بعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، لاسيما وأن السلطة تقر العمل بالتوقيتين الصيفي والشتوي قبل إعلان الاحتلال الإسرائيلي بيوم واحد، خاصة وأن الاحتلال يتبع التوقيت الصيفي الأردني، وفي وقت سابق أي قبل قدوم السلطة كانت فلسطين تتبع الأردن بنظام التوقيت الصيفي". هذا ما أكده لـ"الحدث" د.حسين الريماوي وهو أستاذ جغرافيا في جامعة بيرزيت.
وعن بدء العمل بنظام التوقيت، قال الريماوي: "نظام التوقيت الصيفي والشتوي كانت بدايته في نهاية القرن التاسع عشر، حينما لاحظوا بأن النهار يزداد طولاً في فصل الصيف ليصل إلى 17 ساعة على عكس الليل، بينما في فصل الشتاء يزداد الليل طولاً ويقصر النهار".
وبحسب ما أوضح الريماوي، فإن بعض العلماء لاحظوا في ذاك الوقت بأن الشمس تشرق في وقت مبكر في فصل الصيف، وعليه يمكن الاستفادة من شروق الشمس لأداء الأعمال الصباحية وبهذا يكسبون ساعات عمل أطول، إلى جانب من أراد ممارسة المهن والرياضة، حيث تمنح الشمس الطاقة لهؤلاء وللكرة الأرضية ككل.
في ذات السياق، قال: "الولايات المتحدة وأوروبا، عارضتا العمل بذات التوقيت، إلا أنه في الحرب العالمية الأولى استحكمت بريطانيا ذات النظام أثناء الحرب للاستفادة من ساعات النهار الطويلة، غير أن ألمانيا كذلك الأمر وفي الحرب العالمية الثانية استفادت من التوقيت الصيفي وعمدت على تقديم الساعة لساعتين على عكس الإنجليز".
أما الكثير من دول العالم والتي تقطن في المناطق المناخية المعتدلة والباردة كـ فلسطين؛ فيستفيد سكان تلك المناطق من طول النهار في فصل الصيف حيث يحققون ازدهاراً اقتصادياً ملحوظا، خاصة في قطاعات الصناعة والزراعة على وجه التحديد بحسب ما أوضح الريماوي لـ"الحدث".
قال مستكملاً حديثه: "الدول التي تقع بالقرب من خط الاستواء لا تعتمد نظام التوقيت الصيفي لاسيما وأن الشمس تلقي بظلالها على تلك الدول لمدة 12 ساعة، ولذا فإن النظام الشمسي لا يطبق في تلك المناطق كما في المناطق المعتدلة".
يذكر أن التوقيت الصيفي يبدأ في نهاية شهر نيسان / أبريل، حتى أواخر شهر تشرين أول / أكتوبر، أما التوقيت الشتوي يبدأ في أواخر شهر تشرين أول / أكتوبر، وقد بدأ العمل بنظام التوقيت الشتوي في فلسطين صباح يوم السبت كما هو مقرر.
وبحسب ما أوضح الريماوي فإن نصف الكرة الأرضية الشمالي قد هل عليها فصل الشتاء، أما الجزء الجنوبي فقد استقبل فصلي الربيع والصيف، فمثلا تستقبل كلا من أمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا التوقيت الصيفي، وعليه فإن الشمس تشرق لساعات أكثر على الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية.
وفي جهة أخرى، قررت المملكة المغربية إلغاء العمل بنظام التوقيت الشتوي، فيما سيبقى التوقيت الحالي للبلاد كما هو لهذا العام بفارق ساعة عن توقيت "جرينتش" بدعوى توفير ساعة من الضوء الطبيعي.
وإذا نظرنا للجهة المقابلة أي الشق الآخر من البلاد حيث يقطن الغزيون، يأتي موسم الشتاء في أسوأ أوضاعهم الاقتصادية، وذلك في ظل استمرار وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة واستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتفاقم أوضاع وأزمات المواطنين، خاصة عقب الحروب المتتالية التي حرمت عشرات الآلاف من قطاع غزة من مساكنهم وأصبح بعضهم يتخذ من"الكرفانات" و "البركسات" مأوى لأسرته، حيث خاض هؤلاء حرباً لقبت بـ "الرصاص المصبوب" وفي شتاء عام (2008-2009)، كما نهضوا مجدداً ليقاوموا زخات الرصاص والمطر في حرب تالية بدأت رسميا في 14 نوفمبر 2012 إلى جانب استشهاد أحمد الجعبري أحد قادة حركة حماس في قطاع غزة، الأمر الذي ردت عليه الفصائل الفلسطينية بعملية حجارة السجيل.
قد يبدو لنا التوقيت الشتوي مجرد "اللعب" بعقارب السعادة وتأخيرها ساعة من الزمن، ولكن التوقيت قد لعب دوراً مهما في حياة أهالي القطاع، والسؤال هنا؟ كيف سيستقبل سكانها موسم الشتاء في ظروف وصفها الأطباء بـ"الكارثية"؛ لاسيما وأن 97% من مياه غزة ملوثة بالمياه العادمة، فكيف سيكون حال غزة في موسم الخير؟