الحدث ـ محمد بدر
مع اندلاع الأزمة اليمنية وما تلاها من معارك الحوثيين مع التحالف العربي بقيادة السعودية، وجدت سلطنة عُمان نفسها متهمة بأنها الممر الرئيسي للسلاح الذي تنقله إيران للحوثيين، كما وواجهت انتقادات سياسية بسبب الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والعمانيين، والتي توجت بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لمسقط عام 2014، وزيارة القائم بأعمال وزارة الخارجية يوسف علوي لإيران في عام 2017. ووصل الاتهام من قبل دول الخليج لعمان بالإشارة إلى أن علاقتها بإيران تقوض الأمن الخليجي والمنطقة ككل.
توسعت الاتهامات غير المباشرة لعمان بخصوص نقل السلاح الإيراني للحوثيين من أراضيها. وتشير وكالات الاستخبارات الغربية إلى أن الحكومة العمانية تغض الطرف عن عمليات تهريب كميات كبيرة من السلع إلى إيران من أراضي شبه جزيرة مسندم في سلطنة عمان وأن الإيرانيين يستخدمون خط التهريب هذا لنقل الأسلحة لليمن.
وفي أكتوبر 2016 أشارت تقارير غربية إلى أن إيران تستخدم الأراضي العمانية والمجال الجوي والمياه الإقليمية، لتهريب صواريخ مضادة للسفن (بعضها قيل إنها استُخدمت في استهداف السفن الحربية الأمريكية)، بالإضافة لتهريب الصواريخ متوسطة المدى والأسلحة الخفيفة والرشاشات والمتفجرات. كما وتشير بعض التقارير إلى أن الطائرات الجوية بدون طيار (UAVs) التي يستخدمها الحوثيون جرى تهريبها من خلال عمان.
في ديسمبر 2017، قالت صحيفة "اينتلي تايمز" المتخصصة في شؤون الاستخبارات إن اثنين من كبار قادة قوة القدس التابعة للحرس الثوري يديران البنية التحتية لتهريب الأسلحة لحركة حماس والجهاد الإسلامي عبر البحر الأحمر. وأفادت المجلة الاستخبارية أن إيران تحاول تطوير طرق جديدة لتهريب الأسلحة من اليمن إلى حماس والجهاد في غزة.
وكشفت المجلة عن المسؤولين المكلفين في قوة القدس التابعة للحرس الثوري برئاسة الجنرال قاسم سليماني لمتابعة شؤون الساحة اليمنية. أحدهما يدعى عبد الرضا شاهلالي، الذي عرفت عليه المجلة بأنه قائد كبير في الوحدة 400 من قوة القدس، وهي الوحدة المسؤولة المسؤولة عن العمليات الخاصة في الحرس الثوري.
ووفقا لما نشرت انتلي تايمز الاستخبارات، بالإضافة إلى مساعدة الحوثيين بالأسلحة والتدريب، فقد بذلت محاولة لتشغيل بنية تحتية لتهريب الأسلحة الفصائل في غزة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي. ومن بين أعضاء هذه البنية التحتية، اثنين من اليمنيين هما أبو إبراهيم الهادي وربيع جرمان ومهمتهما التخزين المؤقت للأسلحة في اليمن قبل نقله لغزة.
وفي الوقت نفسه، فإن كل من عبد المجيد الحرازي وأبو عبد الله يديران العلاقة بين شبكة التهريب وحماس والجهاد. وتشمل الأسلحة التي يتم نقلها إلى فلسطين عبر البحر الأحمر من اليمن إلى غزة؛ الصواريخ الكورنتية المتقدمة والصواريخ المضادة للدبابات.
وفي مارس 2018، زار وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس عُمان (التي تعتبر حليفا وثيقا لواشنطن)، وأشار إلى أن قضية الأراضي العمانية التي تستخدم لإمداد الحوثيين ستتم مناقشتها في اجتماعاته هناك. وردا على سؤال حول تهريب الأسلحة إلى اليمن، أجاب ماتيس أن العمانيين لديهم "مخاوف أمنية نشترك فيها معهم.. أنا ذاهب إلى هناك للاستماع ... ومعرفة ذلك". بعد زيارة ماتيس، قال مراقبون غربيون إن الولايات المتحدة لن تستطيع الضغط على عمان أكثر لمنع تهريب السلاح الإيراني، لأن ذلك قد يؤدي لنتائج عسكية، خاصة وأن العمانيين حساسون جدا لمسائل التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.
ومع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"عمان" تبدو الأمور أكثر وضوحا، وأن الزيارات الأمريكية والإسرائيلية لـ"عمان" أمنية بامتياز. فقد كان رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين نجم الزيارة بامتياز، حتى في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وبالإضافة لكوهين، كان مسؤول الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات أيضا حاضرا. ما يُفسر على أنها زيارة لا تختلف عن أهداف زيارة وزير الدفاع الأمريكي ماتيس. ويُفسر ظهور رئيس الموساد والتركيز الإسرائيلي الشديد على هذا الظهور، على أنه رسالة كبيرة لإيران ولشبكات التهريب التي تمرّ من عمان لليمن وصولا لقطاع غزة، بأن "إسرائيل" حاضرة في تلك المنطقة وأنها ليست بالبعيدة عنها. كما أن رئيس الموساد على الأغلب قدّم معلومات للعمانيين عن شبكات التهريب هذه، خاصة في ظل الإنكار العماني المتكرر لهذه الظاهرة.
الجديد ليس زيارة نتنياهو للسلطنة، فـ"عمان" معروفة بمواقفها التطبيعية؛ حيث كانت من الدول العربية القليلة التي لم تقم بقطع العلاقات مع مصر بعد التوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية برعاية الولايات المتحدة عام 1979. واستضافت دورة أبريل 1994 لمجموعة العمل المتعددة الأطراف حول المياه التي أقرّت إنشاء مركز أبحاث لتحلية المياه في الشرق الأوسط، وقد شارك ممثلون عن "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة واليابان والأردن وقطر. وفي سبتمبر 1994، طالبت بعدم مقاطعة "إسرائيل"، وفي ديسمبر 1994 كانت أول دولة خليجية تستضيف رئيس وزراء إسرائيلي (يتسحاق رابين)، واستضاف شمعون بيرس في أبريل 1996. بل إن ما يميز هذه الزيارة هو أنها جاءت بعد تهديد نتنياهو بتشكيل حلف عسكري أمني في منطقة الخليج لمحاربة تهريب الأسلحة ولكبح جماح التهديد الإيراني للأساطيل التجارية التي تمر من مضيق هرمز ومنها الأسطول الإسرائيلي، وكذلك حضور الرموز الاستخبارتية الإسرائيلية فيها. ما يعني أن السلطنة التي انخرطت في كثير من العمليات الاستخباراتية لصالح الولايات المتحدة، قد تنخرط في حرب ضد شبكات تهريب السلاح لقطاع غزة، التي يشتبه أنها تمرر السلاح من أراضيها.