في أقل من أسبوع، كان بمقدور الفلسطينيين أن يكون لهم من يراهم كجهة جديرة بالمخاطبة، وذلك عبر إصدار ثلاثة خطابات وبيان صحفي، في زخم غير مسبوق من ثلاث جهات "سيادية"، تتحدث عن السياسة والاقتصاد، ما أكد من جديد أن المقصود بالمخاطبة ليس الفلسطيني، وإنما الإسرائيلي. واحد من الخطابات كان للرئيس عباس في المجلس المركزي والذي صدر عنه بيان قديم محدث، وخطابان آخران لرئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، ود. محمد مصطفى رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، والمستشار الاقتصادي للرئيس عباس.
ورغم قلة حيلة بيان المجلس المركزي، الذي أكّد على تأكيده على قرارات أقرها سابقاً دون آليات تنفيذ، سوى إحالتها للجنة لدراستها مؤلفة من 21 عضوا، تظل العبارة "الرنانة" المتعلقة بالانفكاك الاقتصادي مع إسرائيل هي العبارة"الجديدة- القديمة"، والمفسرة لسبب الخطابين الآخرين للحمد الله ومصطفى، والذين تزامنا مع انعقاد المجلس المركزي لكنهما لم يأتيا بتنسيق مسبق بين الرجلين بكل تأكيد –بسبب طبيعة الخلافات بينهما- وليُنشرا في نفس اليوم، وبرؤية اقتصادية متضاربة لكليهما.
فبينما يحاول د. رامي الحمد الله الإضاءة على الجوانب الإيجابية للاقتصاد الفلسطيني باعتبارها إنجازات لحكومته، يقدم د. مصطفى صورة قاتمة للواقع الاقتصادي، ليبدو المقالان وكأنهما لبلدين باقتصادين مختلفين، دون وجود سياق توضيحي لأهداف كتابة المقالين، في اللحظة الزمنية الحالية، والتي على ما يبدو أنها "تاريخية!" بالنسبة لهما تتطلب معالجة اقتصادية سريعة، وانفكاكاً اقتصادياً، هو أقرب ما يكون إلى "الانخلاع" الاقتصادي عن إسرائيل، في ظل تنامي وتسارع اعتماديتنا عليه، ومساهمتنا سياساتياً في تقويض مقومات صمود المواطن البسيط.
الحمد الله ومصطفى يُنظران اقتصادياً، بينما يعملان في منصبين من المفترض أنه يؤهلهما للمبادرة بإطلاق أي برنامج "انخلاع اقتصادي" يريدانه ويريده الرئيس، فضلاً عن كون الاثنين يعملان في سياقٍ مريح دون وجود أي نوع من أنواع الرقابة والمساءلة، فالرجلين لم يختبرا أصلا معنى وجود مجلس تشريعي فاعل، أو حياة سياسية حقيقية تفحص وتُتابع برامج عمل الاثنين منذ 2013 بالنسبة للحمد الله، و2005 بالنسبة لمصطفى.
ولا أدري عن أي موارد يتحدث الحمد الله ولا عن أي اشتباك سياسي اقتصادي يتحدث مصطفى، كل ما أعلمه-وفق علمي البسيط- أن ما جرى ويجري على المستوى السياسي هو تكريس للثنائية والتمزق والانشطار في الهوية الوطنية، أما على المستوى الاقتصادي فتسلبُ الحكومة من المواطن البسيط كيلو دجاج كل يوم وفق المتوسط الحسابي لاقتطاع 7% من راتبه لصالح صندوق الضمان الاجتماعي.