الحدث ــ محمد بدر
قبل عدة أيام، ارتكبت "إسرائيل" مجزرة بشعة بحق ثلاثة أطفال فلسطينيين بالقرب من مدينة دير البلح في قطاع غزة. وفي ضوء بشاعة الجريمة، خرجت الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة مطالبة المقاومة الفلسطينية بالرد على جريمة اغتيال الأطفال الثلاثة؛ الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعة عشر عاما. قبلها بيوم، كانت جولة قصف متبادلة بين حركة الجهاد الإسلامي و"إسرائيل" قد انتهت بوساطة مصرية. تلك الجولة بدأتها الجهاد انتقاما لاستشهاد 6 مواطنين فلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
عمليا، كشفت الجولة الأخيرة عن حجم الهوة بين خيارات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ففي حين تسابق حماس الزمن للوصول لاتفاق يحمي وجودها كـحاكم لقطاع غزة، تحاول الجهاد ثاني أكبر فصيل مسلح في غزة أن تنسجم أكثر مع خياراتها المرتكزة على ضرورة الاشتباك المستمر مع الاحتلال، خاصة وأن السنوات الأخيرة الماضية وما شهدته من اتفاقات للمصالحة واتفاقات للتهدئة؛ شكلت نوعا من التماهي في الخيارات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.
ولم تجد الجهاد نفسها محل انتقاد المصريين فقط خلال جولة التصعيد الأخيرة، بل إنها قوبلت بهجوم واسع من قبل الكتاب والمحللين المقربين من حركة حماس. ورغم أن حماس رسميا التزمت الصمت، إلا أن بعض الإشارات التي بعث بها قادتها وتحديدا صلاح البردويل وحديثه عن ضرورة صف الموقف والصفوف لمواجهة التفرد، كانت توحي أن ثمة أزمة سبقت القصف وأزمة ستليه.
لكن الجريمة الإسرائيلية بحق الأطفال الثلاثة كانت قاسية لدرجة أن أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي دعا الفصائل للرد عليها، مع العلم أن الرجل يُصنف من التيار المرن في حركة حماس، كما وتوعدت حركة الجهاد بالرد عليها. وقد ذهب المراسلون العسكريون الإسرائيليون للقول إن رد الجهاد قادم ومسألة وقت. وقالت صحيفة هآرتس العبرية إن الأيام القادمة ستكون حاسمة، وقد تؤدي لجولة قتال مركزة بين "إسرائيل" وحركة الجهاد الإسلامي. وقال المراسل العسكري للصحيفة "عاموس هرائيل" إن رد الجيش الإسرائيلي سيكون مكثفا وعنيفا في الجولة القادمة، وقد يؤدي إلى فتح معركة عسكرية مفتوحة في غزة.
نستنتج مما سبق أن التصعيد القادم مسألة وقت، لكن طبيعته قد تكون مختلفة. وهو الأمر الذي أدركته "إسرائيل" وبدأت بالعمل على أساسه، وقام جيشها المتمركز على حدود القطاع، بإقامة سواتر ترابية للقناصة، ووضع عبارات تضمن هروبا آمنا للجنود في حالة الطوارئ. وتشير الإجراءات الجديدة للجيش الإسرائيلي على الحدود ـ والتي رصدتها كاميرا الحدث ـ أن "إسرائيل" تتوقع ردا يستهدف جنودها بشكل محدد، لا مستوطناتها.
التقدير الإسرائيلي دقيق، فعمليات القنص التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال مسيرة العودة، وإن جوبهت برد إسرائيلي عنجهي، إلا أنها شكلت هاجسا قويا للجنود الإسرائيليين على الحدود وضررا ماديا ومعنويا، كما أنها منحت المقاومة إمكانية عدم تبنيها، الأمر الذي يضعف موقف "إسرائيل" أمام وسطاء التهدئة في حال اتخاذها لإجراءات اقتصادية أمنية ضد القطاع، بالإضافة لكون هذا النوع من العمليات لا يثير غضب الرأي العام الإسرائيلي ـ نسبيا ـ كما عمليات القصف، التي دفعت بمستوطني غلاف غزة للخروج لتل أبيب والضغط على الحكومة للشروع بعملية عسكرية أو اتفاق، وهو ما قد يستدعي من الحكومة الإسرائيلية القيام بعملية عسكرية تحت تأثير الرأي العام. المستوى السياسي والعسكري في "إسرائيل" لا يهمه في هذه المرحلة تحديدا شيئا أكثر من الرأي العام، وقد يقبل بمواجهة بعيدة عن الرأي العام، وكذلك اتفاق.